جمعية يقظة تحذر من نوايا الانقضاض على مكسب حرية التعبير وحق النفاذ الى المعلومة جمعية الدفاع عن القيم الجامعية: المساس بحق النفاذ الى المعلومة يهدد الحريات الاكاديمية تونس- الصباح بأقل من ربع عدد أعضائها واصلت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية أمس بقصر باردو النظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية الذي طلبت الحكومة من مجلس نواب الشعب استعجال النظر فيه وتمريره قبل الخامس والعشرين من ماي الجاري. واستمع الحاضرون في جلسة أولى الى الدكتور سليم بن صالح ومحمد التركي ممثلا المجلس الوطني لعمادة الأطباء، والتقوا في جلستهم الثانية كمال العبيدي وتوفيق يعقوب عن جمعية يقظة وعصام الصغير الخبير القانوني وحبيب الملاخ عن جمعية الدفاع عن القيم الجامعية. وقال الدكتور سليم بن صالح إن مشروع القانون سلط على تونس من قبل أوروبا التي تريده ان يكون نافذا قبل الخامس والعشرين من الشهر الجاري لكن عمادة الأطباء التي تمثل نحو خمسة وعشرين الف طبيب مسجلين في القطاع العمومي والقطاع الخاص لديها تحفظات على عدة فصول وردت فيه. وأضاف انه تحدث مع الأستاذ شوقي قداس رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية وأكد له ان اخلاقيات المهنة الطبية تجبر الطبيب على حماية السر المهني وأن مهنة الطب هي من المهن القليلة المطالبة بحماية المعطيات الشخصية خاصة الصحية، لكن في الواقع نجد الطبيب في قسم استشفائي عمومي يتعامل مع الأعوان والممرضين وغيرهم ويمكن لكل منهم ان يطلع على مضمون الملف الطبي للمريض وأن يعرف مرضه، وفي صورة ما اذا تم تحميل مسؤولية عدم حماية تلك المعطيات للطبيب المباشر فهذا فيه اجحاف وهو امر يبعث على قلق الأطباء خاصة وأن مشروع القانون نص على عقوبات بالسجن. وأبدى الدكتور بن صالح احترازه من مضامين الفصل ستين الذي نص على اخضاع معالجة المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة إلى ترخيص مسبق من هيئة حماية المعطيات الشخصية التي بإمكانها تأجيل البت في مطلب الترخيص إلى حين استشارة الهياكل المختصة في المجال الطبي، كما نص على انه يمكن للهيئة أن تحدد عند إسناد الترخيص للاحتياطات و الاجراءات الواجب اتخاذها لضمان حماية المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة على ان تحدد الهيئة بمقتضى قرار الآجال القصوى للاحتفاظ بتلك المعطيات بعد انقضاء مدة المعالجة إلا اذا تم اخفاء هوية أصحابها وبمقتضى نفس الفصل تحجر إحالة المعطيات الشخصية المتعلقة بالصحة أو تحويلها إلى الخارج دون ترخيص مسبق من الهيئة، وفسر الدكتور بن صالح ان هذه الاجراءات ستعقد عمل الطبيب، وتساءل بشيء من الحيرة عن الاضرار التي يقصدها الفصل الحادي والستين وذكر ان صياغته معقدة للغاية وصعبة ويعسر على الطبيب فهمها. وبين ممثل عمادة الاطباء انه اضافة الى الفصل الرابع الذي يجب تعديله هناك اربعة فصول وهي الفصول ستون وواحد وستون واثنان وستون وثلاثة وستون تهم القطاع الصحي وستتسبب في بلبلة كبيرة في صفوف الاطباء وقال ان العمادة تطالب بتعديلها، كما تريد مراجعة الاحكام المتعلقة بالمعطيات الجينية وتغيير تركيبة هيئة حماية المعطيات الشخصية في اتجاه ان يكون فيها مختصا في الصحة. ونبه الدكتور بن صالح الى ان هناك بحوثا يجريها الاطباء ويعتمدون فيها على سجلات مثل سجل السرطان، وفي صورة تمرير مشروع القانون في صيغته الحالية فسيستحيل عليهم اعتماد هذه السجلات، وقدم الدكتور مثالا آخر عن الاشكاليات التي يطرحها مشروع القانون وقال ان المريض على سبيل الذكر يمكنه ان يطلب من طبيبه المباشر ان لا يطلع الطبيب الجراح عن اصابته بمرض معين، ويمكن ان يصاب هذا المريض أثناء خضوعه للجراحة بسكتة قبلية وعندها يجب التساؤل ماذا سيكون مصير الطبيب الجراح ومصير طبيبه المباشر. وخلص الى ان الاطباء يرفضون تعقيد الامور ولا يريدون تعكير علاقاتهم بمرضاهم كما يعترضون على منحى التشديد في العقوبات اذ اصبحت الخطايا بآلاف الدنانير وعقوبة السجن تصل الى خمس سنوات. وفي نفس السياق قال محمد التركي إنه في صورة عدم التنصيص في مشروع القانون على استثناءات تهم الطب فذلك سيعقد عمل الاطباء وسيجعل الطب في تونس يتأخر. استشارات وهمية وجه كمال العبيدي ممثل جمعية يقظة انتقادات لاذعة لجهة المبادرة التشريعية المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية، وبين أن الحكومة أحالت الى جانب هذه المبادرة عديد مشاريع القوانين الأخرى التي تشكل تهديدا للحقوق والحريات وتضرب عرض الحائط ما حققه القانون الأساسي المتعلق بحق النفاذ الى المعلومة وعبر عن استغرابه من ادعاءات وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان التي أعدت هذه المشاريع بانها تقوم باستشارات موسعة حولها، وأكد العبيدي أن لديه عديد الادلة على عمليات التظليل التي تقوم بها الوزارة من اجل سلب المكاسب التي تحققت للتونسيين وهي تستعمل وسائل اعلام سمعي بصري يديرها بارونات في هذه المهمة كما حذر من خطورة انخراط بعض رجال القانون في اللعبة. أما الخبير القانوني عصام الصغير فبين أن ما يثير المخاوف في مشروع القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية هو انه سيدخل نوعا من الارباك على منظومة الحقوق، فهذه المنظومة يجب ان تقوم على التوازن ولا يمكن لحق ان يطغى على حق اخر. واضاف ان تونس بفضل سنها قانون النفاذ الى المعلومة بلغت مستوى عال من الريادة، ولكن بعد عرض الحكومة مشروع القانون الجديد اصبح الحقوقيون يفضلون القانون القديم لسنة 2004 على الجديد. وذكر انه بصرف النظر عن الأطراف التي صاغت هذا المشروع فان عملية اعداده وطريقة تقديمه والتخويف من القائمة السوداء تكشف عملا ممنهجا لضرب حق النفاذ الى المعلومة وفسر الخبير ان الخطير في مشروع القانون هو اخضاع مطالب النفاذ الى المعلومة الى قانون حماية المعطيات الشخصية. وأضاف ان المشرع في صورة ندمه ورغبته في مراجعة قانون النفاذ الى المعلومة عليه ان يكون صريحا ويذهب مباشرة وينقح قانون النفاذ الى المعلومة، لا ان يمرر ما يريده في قوانين أخرى مثل قانون حماية المعطيات الشخصية. واعترض الخبير على سن نصوص قانونية متضاربة، واقترح حذف الباب الثالث المتعلق بالنفاذ الى المعلومة لكن في صورة التمسك به يجب تغييره بحق الولوج الى المعطيات الشخصية، لتجنب حصول خلط بين النفاذ الى المعلومة، وبين حق الولوج الى المعطيات الشخصية بهدف تصحيحها او تغييرها. وخلص الخبير الى ان المطالب المتعلقة بالنفاذ الى المعلومة لا يمكن ان تكون مشمولة بقانون حماية المعطيات الشخصية وأوضح أن منطق قانون النفاذ الى المعلومة اتاحة المعطيات، لكن قانون حماية المعطيات الشخصية له منطق اخر وهو الحماية كما يجب تجنب عملية الخلط الرهيبة بين صلاحيات هيئة النفاذ الى المعلومة وهيئة حماية المعطيات الشخصية ويجب ان تكون هيئة حماية لمعطيات الشخصية مستقلة وان يتمتع اعضاؤها بالحياد والكفاءة والنزاهة. وقال توفيق يعقوب ممثل جمعية يقظة ان السياق العام الذي ورد فيه مشروع القانون المعلق بحماية المعطيات الشخصية غير منفصل عن بقية مشاريع القوانين الاخرى التي اعدتها الحكومة على غرار المشروعين المتعلقين بالهيئة التعديلية للسمعي البصري وبالأعلام السمعي البصري. وهذا السياق على حد تعبيره يدل على وجود محاولة للانقضاض على المكتسبات التي تحققت للشعب التونسي بعد الثورة. وذكر الجامعي ان الحكومة أعدت هذه المشاريع في غرف مغلقة لكن وزارة حقوق الانسان تتدعي بانها تقوم باستشارات حولها. وقال يعقوب ان منطق الاغلبية والاقلية هو الذي ساد عملية تمرير مشاريع القوانين وهو منطق يخيف المجتمع المدني كثيرا ويزعجه. وفي نفس السياق أشار حبيب الملاخ ممثل جمعية الدفاع عن القيم الجامعية الى أن جمعيته تدافع عن الحريات الاكاديمية وغيرها من الحريات العامة وهي متخوفة كثيرا مما جاء في مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية لأن هذا المشروع يقضي على حق النفاذ الى المعلومة ويقلص من جدواه. وأضاف أنه بدافع المحافظة على الحريات ترى جمعيته ان المساس بحق النفاذ الى المعلومة هو اعتداء على حرية البحث. وذكر الملاخ أن المشروع الجديد يعبر بوضوح عن تراجع السلطة عن عديد المكاسب التي تحققت في تونس بعد الثورة. وعبر عن خشيته من ان يكون المشروع ذريعة للهياكل العمومية لكي تمارس التعتيم على المعلومات.