إضافة إلى الدروس والعبر والاستنتاجات التي ارتأى الكثيرون عرضها إعلاميا لغايات عدة ومتباينة وفق زوايا النظر في النتائج الأولية للانتخابات البلدية، ظل الانطباع العام شبه مغيب عن النقاشات والتحاليل إذ لا بد من محاولة التعرف على ما تركته تلك النتائج من انطباعات ومواقف لدى جانب كبير من التونسيين خصوصا الذين لم يشاركوا في التصويت. ودون مبالغة يبدو أن الانطباع السائد هو أقرب إلى الحيرة ليس بخصوص الأرقام والنسب التي أفرزتها النتائج بل بخصوص الوضع العام في البلاد حيث يمكن القول أن تراجع بعض الأحزاب وتحديدا نداء تونس وتمكن النهضة من إنقاذ ماء الوجه وتقدم القائمات المستقلة، رغم شيء من الشك في استقلالية بعضها، لم يخلط أية أوراق بقدر ما زاد من ضبابية المشهد والخوف من المستقبل. ولا بد من القول أن معظم التحاليل وردود الفعل حول نتائج الانتخابات اهتمت بنصف الكأس الملأى مهملة النصف الثاني بما فيه هو الآخر من استنتاجات ومواقف دفينة ويأس بقيت كلها حبيسة النفوس ولا تنتظر سوى تمهيدا للكشف عنها على الملإ كجملة من الحقائق التي يتعين أخذها بعين الاعتبار من قبل الجميع. ولا شك أن معاهد سبر الآراء مقصرة في حق الأغلبية الصامتة ولو أنجزت استطلاعات رأي تلمّ بمختلف الأسباب التي جعلت الكثيرين»يقاطعون»مكاتب الاقتراع والذين يأنفون من تسجيل أسمائهم في قائمات الناخبين والذين يئسوا من الطبقة السياسية منذ انتخابات المجلس التأسيسي في 2011. ولذلك لا يمكن إخراج نتائج الانتخابات البلدية من سياق عنوانها البارز خيبة الأمل من الطبقة السياسية أحزابا وشخصيات، وحتى محاولة التأكيد على خصوصية هذه الانتخابات باعتبار أن الرهان فيها محلي بامتياز ويمس محيط المواطن لم تبدد مسحة الكآبة وروح اليأس لدى الكثيرين النتاج الطبيعي لسنوات عديدة من الإحباط ومن المعاناة من تبعات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. لا نبالغ في شيء حين نقول أن نتائج الانتخابات البلدية لم تفصح سوى عن بعض ما في النفوس وحتى إن كانت تضمنت بوادر امتعاض فإنها في النهاية لم تكشف عن كل الحقيقة وأضحى من الضروري البحث عن قراءة منطقية وعلمية تبحث في الهوة بين الحياة السياسية بمختلف تجلياتها وواقع التونسي اليوم ومستقبل البلاد عموما. مهما كانت القراءات والاستنتاجات بخصوص نتائج الانتخابات فإنها تبقى منقوصة وتفتقر إلى المنهج العلمي ذلك أن الحديث عن تراجع أحزاب أو تقدم قائمات مستقلة يبقى مجرد نتائج ميكانيكية مرتبطة بعدد المقترعين أما الحديث عن الاوراق البيضاء والملغاة وعن الذين لم يشاركوا أو لم يسجلوا أسماءهم في قائمات الناخبين فهو جوهر الموضوع الذي تتعمد الأحزاب ومعاهد استطلاعات الرأي القفز عليه.. لكن الأمر يبقى قفزة نحو المجهول.