يعتبر الحديث عن تخاذل عربي بخصوص نصرة أبناء الشعب الفلسطيني، الذين واجهوا جيش الاحتلال الإسرائيلي ورفضوا نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة، من باب تحصيل الحاصل، فالأنظمة العربية التي يفترض أن تكون معبرة عن مشاعر واحباطات العرب تمادت ممعنة في «جبن النعامة» كلما كانت القضية الفلسطينية عرضة لمحاولات التصفية. وبينما تتواصل الاحتجاجات الشعبية في الأراضي المحتلة ويرتفع عدد الشهداء والجرحى لم نسمع سوى أصوات محتشمة حول العدوانين الإسرائيلي والأمريكي في وضع يذكرنا دوما بأن إحساس الفلسطينيين بالظلم والغبن والنقمة وتصديهم للاحتلال ودفع الثمن بالأرواح لن تعادله تصريحات التضامن والأسف ولا حتى المظاهرات المنددة. وفي هذه المرة أصبح المشهد أكثر وضوحا ذلك أن الرئيس الأمريكي ترامب الذي كثيرا ما وصف بعدم رجاحة الرأي فعل ما لم يفعله السابقون في رئاسة أمريكا ووجد في ناتنياهو مرآة يرى فيها نفسه و»يتجمل» من خلالها على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وانتهاكا للقوانين والمواثيق الدولية. أما الجانب الفلسطيني الرسمي فهو يدفع اليوم ثمن الخلافات والانشقاقات وتغليب الإيديولوجي على حساب المصلحة الوطنية، فلا مرور الأيام والسنوات ساعد على تحقيق الوحدة الوطنية ولا السياسيون تنازلوا وتواضعوا من أجل مصلحة ومصير شعب بأكمله، ولعل أفضل إنجازات السلطة الفلسطينية وحركة «حماس» هو ما نشهده اليوم على الأرض المحتلة. وسيحفظ التاريخ لمحمود عباس في ظل التخبط الذي تعيشه السلطة الوطنية تجرؤه على القول أن السفارة الأمريكية في القدسالمحتلة «بؤرة استيطانية» حتى لكأن السلطة ردت الصاع صاعين لعدوان مزدوج على الشعب الفلسطيني بينما واقع الحال يؤكد أن ما حصل هو جريمة حرب صهيونية وفق القوانين الدولية التي تنص على اعتبار قتل المدنيين في أرض محتلة جريمة حرب. مرة أخرى، لا خلاص للفلسطينيين إلا بإعادة توحيد صفهم ومراجعة آليات العمل الوطني والبحث عن تحالفات سياسية دولية جديدة، فيما يبدو أن الضغوطات الرسمية العربية، إن وُجدت، لن تكون مجدية إذا لم تكن مقترنة بعقوبات ضد الدول الداعمة لإسرائيل وسياستها التوسعية حتى لا تصبح القضية الفلسطينية مسألة أقلية بالنسبة لإسرائيل وحلفائها أي مسألة داخلية بحتة.