تدافع.. ازدحام.. لهفة.. طوابير امام محلات الجزارة.. اقبال غير مسبوق لشراء «الاجبان «والموالح».. ورغم الحيرة التي طغت على وجوه العديد من الذين ارتادوا السوق المركزية قبل يوم من شهر رمضان الا ان اغراءات الباعة وتغنيهم ببضائعهم التي تكدست وتنوعت لم تنجح في استمالة الحريف.. «فالشهوات» هي المتحكم الاساسي في الحرفاء الذين التقتهم «الصباح» بالسوق المركزية وسط العاصمة. ففي جولة لرصد اسعار الاسماك وحركة البيع والشراء في السوق المركزية تعترضك لافتات حددت عليها اسعار مختلف الانواع فمثلا بلغ الكيلوغرام الواحد من سمك «التريليا» الثلاثون دينارا دون ان نغفل الارتفاع الجنوني لاسعار غلال البحر التي قبرت لافتات اسعارها تحت اكداس السلع وكانها اختفت قصدا لخجلها من الحريف. فحتى اصناف الاسماك التي كان ذوي الدخل المحدود يقبلون عليها شهدت هي الاخرى ارتفاعا جنونيا غير مسبوق مثل سمك «السردينة» وسمك «التن». ماجدة كانت تتنقل وسط سوق الاسماك تلقي نظرة خاطفة على ما عرض الى ان توقفت عند بائعين كانا يعرضان نفس النوع من السمك وهو سمك «التريليا» لكن لكل سعره فالقت بسؤالها على احد الباعة لماذا تبيع الكيلوغرام ب28 دينارا و800 مليم وجارك يبيعه ب 12 دينارا.. فكانت الاجابة هذا سمك تونسي يا «مدام» والاخر جلب من ليبيا. جمال (موظف) كان يتنقل داخل السوق المركزية وتحديدا في الجهة المخصصة لبيع الاسماك وهو يراقب الحركة ولهفة الحرفاء رغم صدمتهم من الاسعار «الصباح» استوقفته فاكد انه قرر منذ مدة طويلة الاقتصار على اكل السمك مرة واحدة في الشهر وهو يتابع باستمرار «بورصة» الاسعار لانه حسب رايه اصبح السمك في تونس مثل «الذهب» على حدّ قوله. «ميسرة» رمضان اما اسعار الغلال التى يقبل عليها التونسي في شهر الصيام فهي الاخرى في ارتفاع جنوني ليبلغ سعر الكيلوغرام من «الموز» 5 دنانير و500 مليم والخوخ 4 دنانير و»الدقلة» تتراوح بين 7500 مليم و8 دنانير و»التوت» 6 دنانير و»الفراولة» 3500 مليم و»البطيخ» 2500 مليم الكيلوغرام الواحد. ورغم دعوات الباعة وتعالي اصواتهم لجلب الحرفاء الا ان اغلبهم يلقون نظرة ثم يمرون مرور الكرام.. حسنية النفزي (ممرضة متقاعدة) تقول انها تتبع سياسة المراحل في اقتناء حاجياتها الاساسية فهي تقصد السوق المركزية يوميا للتبضع ورصد حركة الاسعار. وهي تنتظر دورها امام بائع الغلال همست حسنية قائلة وكانها تخشى ان يسمعها البائع «هذه ميسرتهم في رمضان في غياب اي رقيب او حسيب كل يغني على ليلاه». كما تؤكد حسنية انها تتحكم في مقدرتها الشرائية عبر اقتناء «اللازم في اللازم». عز الدين (متقاعد) يرى ان المشكل الاساسي ليس في التاجر بل في عقلية وسلوكات التونسي الذي يقبل على شراء ما يعرض امامه وباي سعر كان وهذا ما ادى الى تدهور المقدرة الشرائية مقابل تواصل الارتفاع الجنوني للاسعار. ويعبّر عز الدين عن استغرابه من الطوابير التي اصطدم بها امام محلات الجزارة رغم بلوغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الخروف 25 دينارا ليجد من يقتني ب100 دينار و150دينارا. وبسخرية يقول عز الدين ما شاهدته اليوم من تدافع وتلاسن امام بائع «الزيتون و»الموالح» يؤكد لي مرة اخرى ان التونسي «ياكل بعينه» وهذه عادة سيئة ففي رمضان تجد على الموائد اكثر من اكلة مصيرها يكون «المزابل» في الاخير في المقابل نجد عائلات تفتقد حتى الى «رغيف» حبز». يقول محدثنا «اللهفة ليست الحل فرمضان مازال طويلا وهو شهر للتقوى وليس للاكل لكن التونسي لا يستطيع ضبط نفسه ليجد في منتصف الشهر الفضيل جيوبه فارغة». محلات الاجبان والموالح لم تسلم هي الاخرى، اقبال على شراء اكثر من نوع من الاجبان تحت مسميات مختلفة من «ريقوتة» وغيرها من»الاجبان» المالح منها و»الحلو» ورغم ارتفاع اسعارها التي تصل الى 6 دنانير للمائة غرام الواحدة فان التونسي لا يستطيع مسك نفسه امام «شهوات رمضان» التي لا تنتهي. لطفي بن علي (بائع غلال بالسوق المركزية لاكثر من 45 سنة) يقول ان ارتفاع الاسعار ليس سببه التاجر «الضرب في سوق الجملة لان الفلاح والهباط بيده الحل والربط» وبائع التفصيل يلتزم فقط بهامش الربح المحدد من السلط الرسمية. تناقض الحريف.. احمد (صاحب مقهى) يقول ان اللهفة والاقبال هو الذي زاد الطينة بلّة «فهناك تناقض بين ما يقوله الحريف والشكوى من ارتفاع الاسعار وما يفعله من اقبال على الشراء رغم تهري المقدرة الشرائية». اما روضة (مراقبة جودة بشركة) تصف الاسعار بالجنونية «فثمن الاسماك شبيه بثمن الذهب والشهار لم يعد قادرا على تغطية حاجياته فما بالك بالزوالي». وتعتبر روضة ان التونسي لم يتشبع بعقلية المقاطعة وهو ما ادى الى تاكل الطبقة المتوسطة في تونس.