لا يزال الحسم بشأن حكومة يوسف الشاهد غير واضح بالرغم من الحبر الذي أسالته منذ إعادة النقاش بشأن وثيقة قرطاج وجدوى المحافظة عليها وإعادة صياغة مخرجاتها في إطار جزء ثان بما يتلاءم والراهن السياسي والاجتماعي والاقتصادي الجديد. بدورها لم تحسم اللجنة المنبثقة عن الموقعين على وثيقة قرطاج أمرها بعد تأجيل لقائها المبرمج أول أمس الثلاثاء والذي رُحل بدعوة من رئاسة الجمهورية إلى بعد غد الثلاثاء تحت عذر مزيد تعميق النقاش وتجاوز كل النقاط الخلافية والعالقة بين مختلف الفواعل الممضين على الوثيقة. ويبدو واضحا أن مسألة التأجيل لا علاقة لها بالنقاط الخلافية وهو ما تظهره تصريحات المشتركين في اللجنة. ففي الوقت الذي أكدت فيه الأمينة العامة بالنيابة للاتحاد الوطني الحر سميرة الشواشي «ان لجنة الخبراء ستجتمع بعد غد الثلاثاء لإمضاء وثيقة قرطاج 2 التي أصبحت جاهزة، بعد الحسم في كافة النقاط الخلافية. وأوضحت الشواشي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أول أمس الجمعة، أنّ رئاسة الجمهورية اتصلت بالموقعين على الوثيقة أمس الخميس، لإعلامهم بموعد اجتماع لجنة الخبراء على أن تتمّ الدعوة لاحقا لاجتماع الرؤساء والأمناء. توضيح الشواشي سبقه تصريح لرضا الشكندالي، الخبير الاقتصادي وممثل حركة النهضة في لجنة الخبراء حيث قال «أنّ اللجنة توصّلت يوم الثلاثاء 15 ماي الجاري، إلى الحسم في «النقاط الخلافية»، بعد أن طالب رئيس الجمهورية بوثيقة خالية من النقاط الخلافية. موقف الشكندالي جاء ليؤكد أن دعوى التأجيل لا علاقة لها بالنقاط الخلافية بما أنها محسومة أصلا وهو أمر يدفعنا للبحث عن خلفيات الرئاسة في الدعوى لتأجيل لقاء مبرمج سلفا وقبل نحو 18 ساعة من انعقاده. وما يزيد في تأكيد ان مسألة التأجيل لا علاقة لها بالنقاط الخلافية هو ما صرح به نبيل السبعي، ممثل الإتحاد الوطني الحر في اللجنة الفنية المنبثقة عن لجنة الموقّعين على وثيقة قرطاج، حين اكد «أنّ وثيقة قرطاج 2، أصبحت جاهزة وسيتم إمضاؤها (الجمعة) ثم عرضها وتسليمها إلى لجنة الرؤساء (رؤساء الأحزاب والمنظمات الموقّعين على وثيقة قرطاج) بعد أن تم تقديم تنازلات بخصوص بعض نقاط الوثيقة المتعلّقة بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي». وأمام هذه التصريحات الثلاثة يبدو جليا أن النقاط الخلافية لا توجد داخل اللجنة بقدر ما هي موجودة بين رؤساء الأحزاب والمنظمات ولئن اتفقوا على حقيقة الفشل الاقتصادي الواضح فإنهم اختلفوا «وقتيا» حول مسالة بقاء الحكومة من عدمه. بقاء الحكومة أو رحيلها حيث لم تكن مخرجات و»ثيقة قرطاج» بمعزل عن تحولات المشهد السياسي بعد سلسلة الإخفاقات التي شهدتها حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن «الوثيقة» اثر توسع دائرة الفشل لتشمل كل القطاعات وأساسا المالية والاجتماعية، فشل سارع من خلاله ما تبقى من الممضين على الوثيقة بالدعوة إلى إصلاحات عميقة وإيجاد عقد جديد يقي البلاد مزيدا من المنزلقات، فكان لابد من تجاوز الراهن إلى أفق سياسي جديد تحت عنوان وثيقة قرطاج 2 . وفِي الواقع لم يكن المدخل السياسي والاجتماعي وحده عنوان الدعوة للتغيير بل زاده الارتفاع الحاصل في «منسوب» طموح الشاهد في توليه زمام الأمور أكثر، و»أحلامه» التي لامست سقف 2019 بعد أن عمل رئيس الحكومة ومحيطه على تثبيتها اثر إعلانه الحرب على الفساد، ليقف الجميع على حقيقة مفادها ان الحرب المعلنة ما هي الا مقدمة لمرحلة سياسية آتية، موقف اغضب النداء في البداية والنهضة لاحقا وحتى الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو ما فتح بوابة الجدل حول علاقة الأحزاب والمنظمات الممضية على وثيقة قرطاج بحكومة الشاهد وخاصة علاقة الشاهد برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي أتى به بعد «التخلي» عن رئيس الحكومة السابق حبيب الصيد. علاقة الشاهد وحافظ وقد بات واضحا أن «حمى» الترشح لرئاسية 2019 هي العنوان الأول في علاقة الشاهد ومنافسته المحتملة للباجي قائد السبسي. ويبدو سيناريو إبقاء الشاهد على رأس الحكومة القادمة ممكنا في اطار تحوير جزئي شرط أن يلتزم هذا الأخير بعدم الترشح. كما أن إبقاء الشاهد من شأنه أن يقلل الضغط الحاصل على المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي وفقا للسيناريو التالي: في حال خروج الشاهد من الحكومة فان عودته إلى النداء واردة جدا، بمعنى أن الشاهد سيتحول إلى منافس محتمل لحافظ الذي يسعى للمحافظة على الوضع كما هو عليه الآن. منافسة الشاهد للمدير التنفيذي حافظ قائد السبسي ستكون من خلال الدعوة إلى مؤتمر انتخابي وهو أمر يشكل كابوسا للحزب الذي عرف استقالات وانسحابات قبل وبعد المؤتمر التأسيسي النداء في جانفي 2016. ويدرك «آل السبسي» أن اي منافسة» لحافظ «قد تفقده الحزب خاصة وأن للشاهد القدرة على خلق منافس حقيقي لنجل الرئيس كما أن امتلاكه لعدد واسع من «الدوسيات» يؤهله لتغيير «نص الباتيندا» وتغيير الموازين داخل الحزب لصالحه. وبالتالي فان سيناريو بقاء الشاهد في الحكومة سيخدم قائد السبسي الابن اكثر من اي شخص آخر. فهل تنجح «قرطاج2» في رأب الصدع بين مختلف الأحزاب والحكومة وإعادة الأمل مجددا للتونسيين؟ كيف سيتعاطى الاتحاد العام التونسي للشغل مع حكومة الشاهد في حال تأجل موعد رحيلها؟ وأي شكل للحكومة القادمة؟