تعتبر إيران دولة ذات ثقل جيوستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وهذا ناتج عن مجموعة من الاعتبارات التي ميزتها عن الدول الأخرى، من حيث موقعها المتميز وإطلالها على بحر القزوين في الشمال والمحيط الهندي والبحر العربي في الجنوب ومضيق هرمز وقربها من آسيا الوسطى، كما أنها تعد دولة غنية و مصدرة للنفط والغاز بالإضافة إلى ذلك هي معبر أساسي للتجارة و التبادلات الدولية وحلقة وسط بين الشرق والغرب. تبلغ مساحتها نحو 000 648 1 كلم 2 وعدد سكانها حوالي 82 مليون نسمة تقريبا. فمن الواضح أن إيران مستهدفة منذ الثورة الإسلامية عام 1979 لعدة أسباب منها : انتهاء لعب دورها الإقليمي المتمثل في دور الشرطي الحامي لمصالح أمريكا في منطقة الشرق الأوسط ، حربها مع العراق لمدة تقريبا عشر سنوات، تنافسها مع تركيا ودول الخليج وعداوتها للكيان الإسرائيلي وتصعيد التوتر بينها و بين دول الخليج وخاصة المملكة السعودية مؤخرا نتيجة المنافسة الإستراتيجية بينهما من أجل التأثير في دول المنطقة وهذا ما ظهر في اليمن، العراق، لبنانوسوريا من خلال نقل المنافسة في أراضي غير أراضيها والاعتماد على المواجهة بالوكالة بهدف إضعاف كل واحدة الأخرى بأي ثمن و لو على حسابها، حتى أن المغرب قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران لعدة أسباب وأهداف ونقل خلافات دول المغرب العربي وقضاياها لدول المشرق. في حديث اليوم هو قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وفي المقابل تسعى الدول الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي الذي أدرج مع إيران نتيجة العقوبات التي تدرجها أمريكا بعد انسحابها الرسمي والمعلن عن هذا الاتفاق، كما تساند و تؤكد كل من روسيا، الصين على ضرورة الالتزام ببنود الاتفاق. إلا أن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها أمريكا على إيران ستعمل على إضعاف الاقتصاد الإيراني والعمل على عزله ومن ناحية أخرى تمس الشركات الأوروبية المتواجدة في إيران وهذا بناءً على تصريح إريك ليزان المحلل القانوني الأميركي، " إن حجم الولاياتالمتحدة الاقتصادي يؤهلها لفرض عدد كبير من العقوبات التي ستكون كافية لخلق الكثير من المشكلات بالنسبة للأوروبيين على وجه الخصوص، بتأثير أكبر من أقرانهم الصينيين والروس" و هذا ما يفسر ما مدى انعكاسات العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني والأوروبي في عصر الترابط الوظيفي خاصة في العلاقات الاقتصادية. و بالتالي لو نحاول تحليل ما يحصل نجد أن كل الدول الحليفة والصديقة مع إيران و المتعاملة معها في إطار التعاون والشراكة الاقتصادية ستتضرر من هذا القرار الأمريكي ونفضل أن نسميه قرار شخصي " قرار ترامب". إن كان حجم الضرر يتفاوت للدول المقربة لإيران من دولة لأخرى، وبما فيها إيران، ماذا عن الدول المنافسة لها بالنسبة لدول الخليج و على رأسهم المملكة السعودية وتركيا وآخرين. بالنسبة لتركيا هي دولة منافسة ومتعاونة مع إيران في حالة ما إذا تم استهداف مصالحهم الحيوية المشتركة وهذا ما ظهر فيما يخص في مسألة الأكراد الذي تم تمويلهم ودعمهم من طرف الدول الغربية واستخدامهم لتأدية وظيفة معينة ذات أهداف واضحة لكن علينا أن ننوه أن حتى الأكراد تم استعمال معهم أسلوب الإغراء و دفعهم حتى لرفع السلاح ( و من أين لهم هذا السلاح ؟ و هل هذا هو الوقت المناسب للحديث عن إنشاء دولة مستقلة ، تتكون من قبائل منتشرة في( سوريا ، العراق ، إيران و تركيا) ؟ ) وبالتالي يمكن القول أن كل هذه الدول مستهدفة العراق مشتتة وفي حالة عدم استقرار، سوريا مركز لعبة الشطرنج ذات الفواعل الهجينة التي تحاول التدخل في شؤون سوريا الداخلية ناهيك عن الأطراف الداخلية المتصارعة وانتشار جماعات مسلحة أما تركيا فهي في موقع رابط بين الشرق الأوسط والغرب أي أن مصالحها هي التي تحدد أحلافها أما بالنسبة لإيران فهي تُدرج ضمن القوى الصاعدة ذات الميول لإنشاء عالم متعدد الأقطاب و بالتالي ضمن قائمة الدول السوداء. كيف نفسر الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني ؟ منذ تولي دونالد ترامب الحكم، قام بإلغاء معظم الاتفاقيات التي تمت إبان إدارة باراك أوباما من خلال الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والانسحاب من الاتفاق التجاري لمنطقة آسيا والمحيط الهادي، وإقامة رسوم جمركية على بعض المواد الأوروبية وإعادة صياغة قانون الصحة الخاص بأمريكا... كل هذا يؤكد على انتقال من سياسة ناعمة تحاول أن تحقق أهدافها بالقوة الذكية إلى أخرى مبنية أساسا على المصلحة، الأموال والقائمة على الأخطار الرهانات من خلال نقل النهج والسلوك الاقتصادي إلى عالم السياسة وهذا خطير جدا سواء على أمريكا أو على الدول الأخرى. قدم الرئيس الأمريكي حجة للانسحاب من الاتفاق النووي بأنه لا يشمل مسألة الصواريخ الباليستية أو الدور الذي تلعبه إيران في حرب اليمن و سوريا، وبهذا يؤكد دور أمريكا ومصلحتها والفوائد التي تجنيها في الحروب عامة وحروب الشرق الأوسط خاصة. وأن أي دولة تسعى إلى أن تلعب دورا رئيسيا في محيطها الإقليمي وتكون مناوئة ومعارضة للولايات المتحدةالأمريكية فهي تشكل خطرا وتهديدا لمصالح أمريكا في هذه المنطقة. في إطار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، نجد أن مسألة العقوبات ستمس مصالح الشركات الأوروبية وبالخصوص (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) وبالتالي التعامل مع مسألة إعادة رؤية الاتفاق النووي تجعل من الوضع أكثر تعقيدا، خاصة إذا ما أدرجنا الملف النووي لكوريا الشمالية وتراجعها عن تطويره وهذا ما يستدعي للشك؟ كيف قررت كوريا الشمالية إلغاء مشروعها النووي الناجح و تميزها في صناعة الصواريخ الباليستية؟ ولماذا ؟ ما الذي جعلها تتراجع فجأة أم أنها مناورة و مجرد تجارب تقوم بها؟ من الواضح ، أن هذا الاتفاق النووي الإيراني هو إدراج الدبلوماسية أي فن التفاوض حول المسائل العسكرية و مسائل التسلح وأيضا منع التسلح ، وربما المراقب لتطورات الشؤون الدولية يلاحظ أن حوار 5+1 يجعلنا نطرح عدة تساؤلات خاصة إذا رجعنا لفهم مجرى و مضمون العلاقات بين إيران و هذه الدول و على أي أساس دول مجلس الأمن تٌقوض طموحات الدول في تطوير قدراتها العسكرية ، وأي دولة لها أي حق في اكتساب البرنامج النووي في عالم تسوده الريبة والخوف. فإذا استعنا بالتحليل الواقعي، فإننا نعيش في حرب سواء كانت معلنة أو صامتة ولا يوجد سلام بدون تنازلات ومساومات وبالتالي إيران ستتحرك بكل واقعية و خاصة أننا تقريبا نعلم أن كل من روسيا و الصين داعمتان لإيران بالإضافة إلى الإعلان الرسمي للدول الأوروبية بضرورة الالتزام بالاتفاق الذي تم في 2015 و بالتالي مبدئيا يمكننا القول أن إيران ستكون ردة فعلها حادة فيما يخص مصالحها الحيوية والإستراتيجية. إن استهداف إيران منطقة الجولان السورية تؤكد على الوجود الرسمي لإيران و الدعم و السند الفعلي لها للنظام السوري و لإثبات استعمال القوة العسكرية وتوجيه عدة رسائل وتلميحات بالوجود الإيراني وإدراجه في المعادلة العسكرية والسياسية للقضايا الإقليمية، لكن هل يمكن القول أن إيران هي التي ستقلب موازين القوى إقليميا وعالميا؟ باحثة جزائرية في العلوم السياسية و العلاقات الدولية