مشقة الخروج من البيت إلى العمل أو لقضاء الشؤون في الشهر الكريم أصبحت أصعب من أيامنا العادية في شوارع العاصمة وتونس الكبرى .فالفوضى تلون طرقاتنا وأرصفتها منذ بداية الصباح الباكر.. وضاعفت «حشيشة» رمضان من صعوبة التعامل والتخاطب مع المتجاوزين لقانون الطرقات..فلا تستغرب إن شاهدت في أحد أيام رمضان سيارة رابضة في منتصف الشارع لأن صاحبها ذهب لأحد المحلات أو لمركب تجاري ليس ببعيد «وسيعود بسرعة لعربته» وهذا لا يضر من منظوره بأحد فيما تقف خلفه مجموعة من السيارات، أصحابها يتبادلون الشتائم والمّارة حائرون فيما بينهم هل يمرون أمّا لا !! والجميع ينتظر صاحب السيارة المتوقفة في وسط الشارع حتى يعود. «سارة» تعمل في إحدى الصيدليات القريبة من بيتها غير أن رحلة ذهابها إلى العمل ترهقها يوميا حيث تقول ل»الصباح الأسبوعي» في هذا السياق: «كل يوم أفكر في طريق ذهابي إلى العمل أكثر من الساعات الطويلة في بيع الأدوية والإصغاء للزبائن. فلا رصيف يحميني من السيارات المّارة بسرعة أو المتسابقة فيما بينها وكأننا في مضمار للسباق لا في طريق تحكمه قوانين لأجد نفسي لا أبارح مكاني لدقائق حتى أقطع الشارع وأبحث عن ممّر صغير بين الأشجار يقودني إلى عملي بعد أن صار الرصيف لركن السيارات وصار طريقي، الذي تتجاوز مدته العشر دقائق يأخذ مني 20 دقيقة خاصة في شهر رمضان ومع نفاذ صبر الجميع».. «عم محمد « يعمل حارسا لإحدى المباني السكنية في حي بالمنزه 1 حدثنا عن استيائه اليومي من الأشخاص، الذين يركنون سياراتهم على الأرصفة وأمام بوابة العمارة، التي يحرسها دون اهتمام بمصالح المتساكنين الذين لا يجدون مكانا أمام مسكانهم للوقوف أو حتى للحصول على تاكسي وأغلب أصحاب هذه السيارات يكونون زبائن لمطاعم ومقاه مجاورة أو لهم أشغال في إدارات قريبة فيفضلون ركن سيارة دون أجر على استغلال مآوي السيارات الموجودة قريبا متهما البلديات بالتقصير وضرورة تشديد العقوبة على مثل هؤلاء الأشخاص غير المسوؤليين. الرصيف واجب وحق للمواطن للتمتع بخدماته، إشكال عرف طريقه منذ أكثر من ثلاث سنوات إلى مواقع التواصل الاجتماعي خاصة مع تزايد الاستغلال العشوائي للشوارع وسيطرة المحلات والسيارات على أرصفة المدن حتى أن حملة «سيب - الترتوار» الافتراضية جذبت آلاف التونسيين وأنشئت صفحات عديدة من قبل الفاعلين في المجتمع المدني لأجل هذا الهدف وقام الناشطون بنشر صور لعديد التجاوزات والسلوكات غير القانونية من قبل أصحاب المحلات والسيارات فكان لهذه الحملة صدى إيجابيا لدى المجالس البلدية والسلطات المحلية غير أن الظاهرة مازالت متواصلة وتتضاعف سلبياتها في المناسبات الاجتماعية والدينية ببلادنا على غرار شهر رمضان والأعياد والموسم الصيفي. «الصباح الأسبوعي» اتصلت بالسيدة هند الكيفاجي رئيسة مصلحة طرقات المرور وتسمية الأنهج ببلدية أريانة والتي كشفت أن هذه المسألة تأخذ الكثير من وقت عمل القائمين على هذا القطاع في بلدية أريانة خاصة وأن التشكيات كثيرة من قبل المواطنين لكن الأسوأ وما يثير الاستغراب أن مواطنين آخرين يطالبون بإزالة الحواجز و»الشينقال» وغيرها من الآليات، التي تعتمدها البلدية لتنظيم الطرقات والحفاظ على الرصيف ليتمكن المّارة من الاستفادة منه وأضافت محدثتنا أن الكثيرين يرفضون «الشنقال» في أحياء مثل «المنازه» كما سبق ورفضوا «الصابو» ومنهم من يطالب بالركن المجاني والاستفادة من الأماكن المخصصة للمّارة المتواجدة قرب محلاتهم أو مؤسساتهم وأذكر على سبيل المثال صيدلية في شارع عثمان بن عفان صاحبها يطالب بأماكن ركن حتى للزبائن القادمين لشراء الدواء والمغادرة وهي مسألة لا تستحق الركن لساعات وشركة الكهرباء والغاز ترغب في الامتيازات ذاتها لحرفاء يدفعون فواتيرهم ويغادرون وشددت رئيسة مصلحة طرقات المرور ببلدية أريانة على الفهم الخاطئ من قبل الكثير من المحلات والمؤسسات لمسألة الركن المجاني واستغلالهم العشوائي للطرقات والأرصفة دون رخصة. وعن الإجراءات المعتمدة لمراقبة التجاوزات في شهر رمضان، قالت هند الكيفاجي أن بلدية أريانة شددت أكثر المراقبة وقامت الشرطة البلدية بجولات مكثفة لمراقبة الطرقات والوقوف على التجاوزات كما قامت بوضع حواجز قرب السوق البلدي بأريانة لتسهيل مرور المقبلين على السوق والذي يعرف إقبالا كبيرا يفوق العادة في شهر رمضان مضيفة :» غير ما راعنا هو تقدم أصحاب المحلات والعاملين بالسوق بشكوى للبلدية لمنعنا السيارات من المرور وبالتالي فإن مسألة عدم اهتمام البلدية بتوفير حق المواطن في الرصيف غير صحيحة فهناك مواطنون يعرقلونا محاولاتنا ويتجاوزونا قراراتنا ونحن نعمل أكثر على التوعية والمراقبة ونحرص على تطبيق القانون مع تسهيل المسألة على كل المواطنين على غرار «الشينقال»، الذي أصبحت تدفع مخالفته وقدرها 35 دينار في المأوى التابع لمكان المخالفة.» حق المواطن في رصيف يحميه ويوفر له الأمان خلال تنقله مسألة مازالت في حاجة لاهتمام أكبر من السلط المختصة كما هي في حاجة لوعي أعمق من قبل التونسيين ومن يعتقد أن إشكال الرصيف لا يحتاج للجدل الكبير المثار مؤخرا مقارنة بغيره من الإشكاليات، التي تعرفها تونس فغياب الرصيف للمواطن هو دليل على التخطيط العمراني غير السليم في بلادنا ودليل كذلك على عدم قدراتنا على تطبيق القوانين والالتزام بها كما أن آليات وقوانين الردع والعقوبات لا تفي بالمطلوب ولم تحقق هدفها بعد. تهميش حق المواطن في الرصيف يحمل بين طياته تقصير من البلديات، التي عليها أن تتخذ موقفا أكثر صرامة وتحرص أكثر على تطبيق القوانين كما على الدولة أن تعمل أكثر من خلال حوكمتها المحلية على صياغة قوانين تتماشى أفضل مع التطور العمراني والتغيرات الطارئة على مدننا التونسية فاستعادة الرصيف تخفي خلفها الكثير من النقائص المطلوب تلافيها ومعالجة علّتها التي تمتد إلى الجذور.