تعيش البلاد منذ نهاية الأسبوع الفارط إلى الأمس على وقع كارثة قرقنة، و على اقالة وزير الداخلية لطفي براهم التي ربطها البعض بحادثة غرق مركب المهاجرين غير النظاميين في سواحل صفاقس، في حين قرنها البعض الآخر بحسابات سياسية ليوسف الشاهد وللأحزاب المشاركة في الحكم والمنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل المتمسك بتغيير شامل للحكومة، لكن هل أرضت حقّا اقالة وزير الداخلية المركزية النقابية، وأطاحت بالنقطة 64 من حسابات المطالبين بازاحة الشاهد وفريقه، خاصة بعد لقاء رئيس الجمهورية أول أمس مع الأمين العام للمنظمة الشغيلة واجتماعه برئيس الحكومة؟ هل أرضت اقالة لطفي براهم اتحاد الشغل؟ اجابة على هذا السؤال قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل بوعلي المباركي في تصريح ل»الصباح» أن المرحلة الحالية تقتضي ضخ دماء جديدة في أجهزة الدولة وكفاءات سياسية باستطاعتها تجاوز الصعوبات المحيطة بالبلاد خاصة في الجانب الاقتصادي، مشيرا إلى أن وثيقة قرطاج حددت أولويات ما تبقى من المرحلة القادمة ووضعت الخطوط العريضة لعمل الفريق الحكومي المناسب خلال الفترة المقبلة، ونحن في المركزية النقابية لم نطلب ازاحة وزير محدد، وليست مشكلتنا اقالة أي كان، لأن اقالة وزير لا تكفي لترميم المسار لا تعني بداية عملية اصلاح ما تم افساده، الحكومة الحالية تواصل الضرب عرض الحائط بالخيارات الوطنية وعدم مبالاتها بالوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد نتيجة سياساتها اللاشعبية، وبات من الضروري احداث تغييرات حقيقية، بعيدا عن ذرّ الرماد على العيون الذي مارسه رئيس الحكومة وبعث الرسائل السياسية لجهات بعينها من خلال اقالة وزير الداخلية، والحال أن تونس تمر بوضع اقتصادي واجتماعي دقيق وصعب للغاية، في ظل عدم الاستقرار السياسي وتفاقم العجز والمديونية وتعطل المفاوضات الاجتماعية وارتفاع نسبة التضخم بما يهدد جديا مسار الانتقال الديمقراطي في بلادنا، والاتحاد العام التونسي للشغل ملتزم بلعب دوره الوطني من أجل المساهمة في إنقاذ البلاد من الأزمة والمشاركة الفاعلة في رسم البرامج والسياسات الوطنية في إطار حوار اجتماعي على قاعدة الثقة المتبادلة والشفافية والمسؤولية، وفق تعبيره. اليوم تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتوضح موقف الاتحاد من حكومة الشاهد، موقف ظهرت بوادره منذ أن سحبت المركزية النقابية البساط من تحت قدمي هذه الحكومة واحتوات الاضطرابات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وهدأت الأوضاع، ولعبت دور الحكومة المتهمة بدورها بالهروب إلى الأمام وعدم الالتزام بالوعود والاتفاقيات المخصصة للتنمية والتشغيل بما زاد في ارتفاع وتيرة الاحتجاجات، اضافة الى الاتهامات الموجهة اليها من قبل الاتحاد بغض الطرف عن جملة الملفات الكبرى في علاقة بمحاربة الفساد والتصدي لظاهرة الاقتصاد الموازي وتوفير فرص عمل للعاطلين، ووضعية المؤسسات العمومية التي كانت العناوين الأبرز في وثيقة قرطاج، حتى أصبح الاخفاق أمرا واقعا لا يختلف بشأنه عاقلان، فشل لكل الأطراف دون استثناء وليس للحكومة وحدها، اخفاق سببه التطاحن السياسي والاجتماعي للمنخرطين في العملية السياسية والاقتصادية، بما انعكس سلبا على أداء الحكومة المنبثقة عن وثيقة قرطاج 1، وفي انتظار استئناف اجتماعات قرطاج 2 المعلقة بأمر رئيس الجمهورية الذي كثف لقاءاته بالفاعلين السياسيين والاجتماعيين في الآونة الأخيرة، يبقى مصير حكومة الشاهد رهين التوافقات والتنازلات والحسابات الضيقة والواسعة للاحزاب والمنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج.