مرة اخري يؤكد لنا ما تعرضه القنوات التفزية من سيتكوم ومسلسلات وبما لا يدع مجالا للشك بأنه لدينا مشكل حقيقي وكبير ونقص يطيح بمجهود المخرج والممثل مهما حاولا تجاوزه وهو مشكل السيناريو.. نعم لدى منتجي هذه الاعمال مشكل يعملون على تجاهله ولكنه في كل مرة يؤثر سلبا على انتاجهم ويجعل مستواه ينحدر لتذهب الاموال والمجهود البشري هباء منثورا. وما دفعنا لهذه الملاحظة هو سيتكوم «الي ليك ليك» الذي تبثه قناة الحوار التونسي مباشرة بعد الافطار سيناريو وحوار علي بن اسماعيل وإخراج قيس شقير وبطولة كل من لمين النهدي وكمال التواتي وجعفر القاسمي ولطفي بندقة وحنان الشقراني ومرام بن عزيزة ومنال عمارة ومحمد حسين قريع وأمال البكوش وتوفيق البحري وغيرهم ومدته 15 حلقة. ضعف السيناريو.. ارتجال وإضافات خارجة عن السياق هذا السيتكوم الذي يجمع بين خيرة الممثلين التونسيين وتوفرت له إمكانيات تصوير كبيرة يعاني من مشكلة ضعف السيناريو حتى ان بعض المشاهد تسقط في التهريج والملل وتعتمد على النكت القديمة والساذجة.. ضعف السيناريو على ما يبدو ترك مجال الارتجال امام بعض الممثلين الذين يتصرفون امام الكاميرا معتمدين على تاريخهم ومحبة الجمهور لهم في اعمال سابقة دون ان يتبادر الى ذهنهم ولو لحظة ان الزمان غير الزمان وان ما يعجب الجمهور اليوم قد لا يعجبه في الغد وان الاجيال تختلف في مستوى التلقي وفي الذوق، ثم ان ما كان يعجبنا في الامس وكنا نحفل به كان يستفيد من غياب البديل في وقت كان التونسي دون خيارات متعطشا لسماع ورؤية صورته (ماديا ومعنويا) ولهجتة ولباسه وعاداته وتقاليده وطريقة ردود الافعال في مجتمعه امامه على شاشة التلفاز او على الشاشة الكبيرة في السينما ليعوض بها الصورة التي تكونت له عن المجتمع المصري عبر الافلام والمسلسلات. اما اليوم فان البديل والخيارات متوفرة والمجتمع التونسي تغير وإمكانية التقاط قنوات التعويض اصبحت كبيرة جدا مما يتيح فرصا اوسع «للزابينغ» اضافة الى ما يوفره اليوتوب حتى انه اصبح للبعض من الفنانين والفرق الشبابية قنواتهم الخاصة على اليوتوب. صحيح ان مواقف الاجيال الجديدة من بعض ممثلينا ورموزنا وكبار الممثلين عندنا مؤسفة لان اغلبهم لا يعرفون التاريخ ولم يواكبوا صعوبة بدايات بعض الممثلين وما نالوه من تكريمات وتتويجات بعد نضالهم من اجل ايصال الصورة الحقيقية عن بعض الاوضاع التي كان يعاني منها مجتمعنا، ولكننا نرى انه على من يريد ان يحتفظ بمكانته وعرشه والصورة الجميلة التي نحتها لنفسه ان يعمل على المواكبة وان يطور نفسه وان يقترب اكثر من الجمهور ليتعرف على ميولاته ورغباته وطريقة تعبيره عن مشاعره وإحساسه وردود افعاله تجاه المواقف الجديدة وخاصة ان لا يقبل الظهور في عمل بلا سيناريو او بسيناريو «عندكشي عندي» معولا على تجربته وعلى قدرته على الارتجال والإضافة.. لان الاضافة هنا قد تكون اكبر من المشهد فتسيء له عوض ان تنفعه وقد يكون الارتجال نشازا ولا يتماشى مع السياق. الكتابة الدرامية للتلفزة لها قواعد لعلنا نتفق على ان السيناريو هو اساس كل عمل ناجح وانه اساس جودة أي مسلسل وضمان رواجه محليا وعربيا وكتابة السيناريو لابد من ان تنطلق من فكرة واضحة تنسج على اساسها وتوزع ادوار الشخصيات الرئيسية والثانوية وتدور حولها الاحداث التي لا بد ان تكون محبوكة بطريقة مشوقة وغير مفضوحة وقادرة على شد انتباه المشاهد كي يكمل الحلقة ولا يعرض عن بقية المسلسل والسيناريو المتناسق بشكل جيد لابد ان تتضمن نهاية حلقاته مفاجأة لا يتوقعها المشاهد ولا يمكن ان يخمنها تخمينا يكون صحيحا مائة في المائة. والحقيقة اننا كنا نعذر من يفشل في كتابة السيناريو لان الدراما التونسية والسيتكوم كانت اعمالا موسمية وقليلة جدا ولا يمكن ان تفرز تجارب يمكن الاعتداد بها او اتباعها والنسج على منوالها ولكننا في السنوات الاخيرة راكمنا من التجارب ما اصبح يخول لنا المطالبة بالأفضل. والمطلوب من التلفزة التونسية وهي التي تهمنا - وعوض ان تهرب من حلبة الصراع- ان تعمل على تنظيم ورشات لكتابة السيناريو وان تستعين بخبراء من التونسيين والعرب الذين اثبتوا جدارة في كتابة السيناريو من أجل المساهمة في الارتقاء بمهنة كاتب السيناريو وتطوير السيناريو من حيث البناء الدرامي والهيكلة السردية والإثارة وبناء الشخصيات ولكتابة سيناريوهات ما ستتفضل بتقديمه من دراما وسيتكوم في رمضان 2019 أو لمراجعة النصوص التي يتم اختيارها بشكل جاد لإصلاح ما يمكن إصلاحه فيها. وأمام التلفزة التونسية وحتى القنوات الخاصة-اذا أرادت- منذ الآن متسع من الوقت لتتخيّر الافضل وما هو قابل للإنتاج اكثر من غيره حتى لا تجد نفسها في وضع المجبور والمضغوط بالوقت لأن التسرع كان دائما من اهم اسباب ضعف اعمالنا الدرامية علما بان التلفزة العمومية وحدها القادرة على الانتاج الجيد دون ان تفكر في استرجاع المصاريف على عكس القنوات التلفزية الخاصة، و(حتى ال 150 الف دينار التي دفعتها قناة الحوار التونسي كثمن لسيناريو «تاج الحاضرة» لا يمكن ان نعتبرها قاعدة او نطالب كل القنوات بإتباعها). علاقة الادب بالدراما ليست وطيدة ولكنها غير مستحيلة صحيح انه ليست لنا في تونس شخصيات مهمة تراهن على الفن والثقافة للارتقاء بالتونسي وتثقيفه وتسليحه بما يجعله اكثر وطنية ليحافظ على بلده وأننا مازلنا نخوض حرب اقناع رجال الاعمال والمستثمرين ليتبنوا الاعمال الثقافية ويستثمروا فيها ومازلنا نتفهم تخوفاتهم من عدم تغطية هذه الاعمال الدرامية والفنية والسينمائية لتكاليفها ولكنه لا بد لنا من المحاولة والتضحية. واقتناع رجال الاعمال بالاستثمار في الثقافة لا بد ان نجتهد من اجل الحصول عليه وتشجيعهم بالعمل على البحث اكثر عن الجيد ومن اجل تقديم الافضل وهنا يمكن ان نستعين بالموجود في الادب التونسي وهو غني وغزير وفيه ما يصلح للاقتباس والتحويل الى افلام ومسلسلات ولنا في ذلك تجارب تونسية وعربية عديدة. ومن بينها مسلسل «أيام مليحة» المقتبس عن رواية الكاتب التونسي عبد القادر بالحاج نصر»من ملفات مليحة» و مسلسل «لن اعيش فى جلباب ابي» المقتبس عن رواية الكاتب احسان عبد القدوس ومسلسل «بنت اسمها ذات» الذي عرض في رمضان 2017 وهو ايضا مقتبس عن رواية «ذات» للكاتب صنع الله ابراهيم و مسلسل «افراح القبة» المقتبس عن قصة بالاسم نفسه للأديب نجيب محفوظ الذي حولت 14 من اعماله الى مسلسلات مصرية كانت كلها ناجحة. نستعين بالرواية والقصة في انتظار ان نكوّن جيلا من كتاب السيناريو ينتج لنا ما يحفظ كرامة الممثل والمخرج ويعطي حق المتفرج في الدراما او الكوميديا ويشجع رجال الاعمال على استثمار اموالهم في صناعة دراما وتمويل سيتكوم قابلة للعرض في تونس وللترويج خارجها.