على اثر مشاركة الشاعر التونسي المنصف المزغي في حفل افتتاح كرسي الشابي للشعر في مدينة الثقافة بجملة من قصائده وقوله في احداها: «قلت للبقرة أنا أحب الحليب//وقلت لبائع الحليب أنا أكره خلط الحليب بالماء// وقلت للنحلة أنا أحب العسل ،وقلت لبائع العسل أنا أكره خلط العسل بالسكر// وقلت لرب العالمين أنا أحب الدين،، وقلت لرجل الدين أنا أكره خلط الدين بالسياسة.»، نقل موقع بابنات الخبر بصورة المزغني وقد اضافت لها صورة بقرة وهو ما رأى فيه المزغني اساءة لشخصه وعلق بقوله على صفحته في الفايسبوك قائلا: « هذه هي اخلاق الاخوان ( الاخوانجية ) في تونس، في موقع بابنات، يضعون وجه انسان(هو انا) قرب راس بقرة، واسأل فقط سؤالا واحدا: هل قرؤوا او تذكروا هذه الآية القرانية وهم يدافعون عن حزب الاخوان المسلمين، تقول الآية (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا). انا اعرف سلفا انهم ليسوا اهل نقاش ولكن الرد واجب، علما واني ترددت طويلا في ايراد قولة الشاعر البحتري» وما علي ان لم تفهم البقر»؟ وأضاف المنصف المزغني في نفس الرد انه كان سيقرأ نفس القصائد في حضور رئيس الدولة الباجي قائد السبسي لو ان هذا الاخير بقي للاستماع الى الشعر ولم يغادر قبل انطلاق الامسية. الحقيقة ان رد المزغني كان كافيا ووافيا وليس الشاعر في حاجة لمن يدافع عنه وانما الرأي هنا ان نحترم اعلامنا ورموزنا وان نرد عليهم كلامهم شعرا اذا كانوا شعراء وبالنثر اذا جاء رأيهم نثرا. اما تشبيههم بالحيوانات والتهكم عليهم بتلك الطريقة فيبقى من المسائل التي لا يقبلها عاقل. هذا رغم ان اشعار منصف المزغني ليس عليها اتفاق او اجماع حتى ان البعض من المثقفين لا يعتبرونه شاعرا ولا يرون في كلامه اية شعرية ولكنهم يحترمونه ولا يسخرون من تجربته المتفردة في قول الشعر لأنهم يعرفون انه لهذا الشاعر مريدون وأناس يحبونه ويحبون اشعاره ويرونها كتلة من الابداع الخالص ترفّه عنهم ويضحكون خلال عروضه من قلوبهم ويطالبونه بالمزيد. منهج جديد وجرأة وإصرار على فرضه المنصف المزغني ليس متفردا في ما يقوله من بسيط الكلام الخالي من التهويم والبلاغة التي يضيق بها المجال ومن التعابير المجازية الغريبة عن المبنى والمعنى ومن الاستعارات و»الاقتباسات» من الآخر الغريب عنا فقط وانما هو متفرد في طريقة القاء عصارة ثقافته الخاصة ومتابعته للساحة السياسية في تونس ولقضايا الوطن العربي.. والمزغني شاعر اختار ان يلتقي جمهوره التونسي وحتى العربي عندما يدعى للتظاهرات الثقافية وللأمسيات الشعرية على طريقته الخاصة التي قد يطرب لها البعض وقد يستهجنها البعض الآخر ويرون فيها نوعا من « الركاكة «( وعفوا على استعمال المصطلح) والاستهتار»بجلالة الشعر»، هذا الجنس الادبي الذي يقدسه العرب ومازالوا يعتبرونه ديوانهم ولا يسمحون ب «التلاعب به» ويعتبرون اضافات المزغني من قبيل لزوم ما لا يلزم»، ولا يقبلون بساطة شعره واختلافه وطرافته والمنهج الجديد والمتطور الذي اختاره لنفسه وهو موجود ومعترف به عربيا وعالميا. هذا المنهج الجديد الذي يحتاج اعتناقه الى الكثير من الجرأة لفرض هذا التجديد في الأسلوب وإضافة الإلحان والنغمات وطريقة الالقاء او الاداء يغرى المزغني فينتهجه بكل ثقة في النفس وهو يعرف ان البعض سيحرمونه من صفة شاعر وينسفون تاريخه القديم وصولاته وجولاته في قرض الشعر . وقد اختار عن وعي ان تكون مداخلاته الشعرية في الامسيات التي يشارك فيها في صنف ال «وان مان شو»المتكامل الذي يحتوي على المسرح والتمثيل والغناء لأنه يغني قصائده ويلحنها وحده ولعله كان ليعبّر جسديا عن بعض المواقف لولا عائق السن. وقصيدة «الحليب والعسل» التي اغضبت شريحة من التونسيين وردّ البعض منهم عليها بالإساءة للشاعر للمنصف المنزغني كانت بسيطة في تعابيرها سهلة في حفظها خفيفة على النفس تحمل داخلها بصمة المزغني وخفة روحه ومواقفه التي قد لا يكفي كتاب بمئات الصفحات للبعض الآخر من الشعراء او الكتاب للتعبير ووصف الوضع والتعليق عليه. الحليب والعسل والدين والسياسة خلطة مثيرة للجدل؟ قصيدة «الحليب والعسل» زرعت كلماتها القليلة الغاما تنسف كهوف الجهل في العقول وعرت سوءات المتوارين خلف الشعارات حسب البعض ممن تمعنوا فيها قرأها الشاعر محمد عمار شعابينية فقال:»رغم أني لا أعتبر النص الذي قدمه منصف المزغني بمناسبة تأسيس كرسي الشابي قصيدة تنتمي إلى الشعر وأعني الذي يحب فيه العسل والحليب والدين لأنه لا يخضع إلى مقاييس الشعر أولا ويُعتبر من نثر المواقف ثانيا وهو النثر الذي تميّز بسخريته الجاحظ والحريري والتوحيدي... رغم ذلك فإنني أندد أكثر منه بالتهكم عليه الوارد في الصورة المرافقة لهذا الكلام، وأقول لواضعيه إن ما نعرفه عن المزغني في حياته هو أنه صاحب أخلاق عالية لا يتوفر عليها الكثير من أهل الأدب وهو إلى جانب ذلك مسالم وطيّب القلب.» وقد ربط البعض الآخر من القراء ومن جمهور الشاعر المنصف المزغني قصيدة او نص المزغني»الحليب والعسل من بينهم الاعلامي عامر بوعزة:»بسياق كامل من التجريب والتجديد الشعري في تونس لا يمكن تجاهله البتة، فالمزغني ليس جديدا علينا وهذا النوع من الكتابة ليس جديدا علينا بل نعرفه منذ الزناد والهمامي لكن الجديد في نص المزغني هو السهم الذي وجههه للإخوان حول خلط الدين بالسياسة». وقد علق عليها الشاعر شكري السلطاني قائلا:»ان الذين يشتمون الشاعر العربي منصف المزغني لا هدف لهم من وراء ذلك إلا الشتم لا غير فلماذا كل هذا الحقد والغضب والكلام البذيء الذي لا يمت الى النقد بصلة.. لقد شتم المرحوم اولاد أحمد وتم تكفيره وتعنيفه وعندما مات وجدنا كل الناس باختلاف انتماءاتهم الحزبية والفكرية يبكونه.. و اني لأستغرب من بعض التونسيين كيف صاروا يمسون ويصبحون على العراك والسباب وتشويه سمعة أبناء وطنهم فلماذا لا تجتهدون في قراءة ما كتب المزغني وتخاصموه في شعره الذي ينحته بدمه وأعصابه وما ضر لو خاطبناه مباشرة بشكل حضاري؟ فاين احترام الرأي والرأي المخالف؟ واستغرب أكثر عندما أجد هذا الكلام البذيء صادرا عن بعض المثقفين والمتعلمين».