بات واضحا أن الحكومات المتعاقبة منذ 2011 لم تضع في الحسبان ما قد تؤدي إليه زيادة النفقات واللجوء إلى الاقتراض من عواقب وخيمة على المدى القريب والبعيد بما يمكن توقعه من ارتفاع لنسبة المديونية وضيق الآفاق اللجوء مستقبلا إلى المؤسسات المالية الدولية أو الاقتراض من دول أخرى. ولا شك أن القسط الرابع من قرض صندوق النقد الدولي الذي تم «الإفراج» عنه بعد سلسلة من التكهنات والجدل وتضارب المواقف السياسية يضع تونس مرة أخرى في صدارة البلدان التي لا يمكنها تجاوز صعوباتها المالية إلا باللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد وما يعنيه ذلك من ارتهان لجملة من شروط الجهة المانحة. ولعل البعض يرى أنه لا مفر من الاقتراض والجميع يدرك الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي للبلد، وهو واقع ازداد تدهورا طيلة السنوات السبع الماضية فيما فشلت كل الحكومات في صياغة سياسة اقتصادية واضحة المعالم وتتماشى مع قدرات البلاد وإمكانياتها المادية خصوصا في سياق التطورات الإقليمية والدولية. وللأسف ركزت الحكومات على الجوانب السياسية دون محاولة الموازاة بين عمليتي الانتقال الديمقراطي والإصلاح في المجالات ذات العلاقة المباشرة بالاقتصاد والمالية غير أن ارتفاع نسق المطلبية مباشرة بعد 14 جانفي وتعطل عديد القطاعات والأنشطة الاقتصادية إضافة إلى تراجع عائدات السياحة عمقت الأزمة إلى حد أصبحت فيه أجور الوظيفة العمومية مهددة. ولأن الاكتفاء بتعديد الأخطاء وتوجيه أصابع الاتهام إلى الحكومات المتعاقبة على الحكم لن يجدي نفعا، تبقى المسؤولية منحصرة بين الحكومة الحالية ومختلف الفاعلين في النشاط الاقتصادي وفي الشأن النقابي من أجل تحقيق خطوات إيجابية للخروج من المأزق الذي تردت فيه البلاد والذي لن يستقيم بتوخي سياسة محورها الاقتراض. ولعل ما يمكن استنتاجه أن مقولة تقاسم التضحيات لم تكن سوى شعار حيث أصبح جانب كبير من مكونات المجتمع التونسي مثقلا بالضرائب وارتفاع الأسعار ومهددا في صحته بعدم القدرة على مواجهة مصاريف التداوي هذا إلى جانب تراكم الديون الأسرية في ظرف خاب ظن الجميع بخصوص إمكانية الحد الملموس من البطالة. بالتأكيد لا أحد يستطيع التكهن بأمد الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية لكن الاتفاق بين اتحاد الشغل والحكومة على تحسين الوضع الاجتماعي سيكون مجرد خطوة في الاتجاه الصحيح يتعين أن تتبعها خطوات أخرى إيجابية برؤية واضحة وتقاسم فعلي للتضحيات أما التداين فلن يزيد البلاد إلا غرقا وارتهانا للخارج.