يعكس مسار تامر السعيد السينمائي موهبة إخراجية عميقة وقدرة كبيرة على تطويع أدواته التقنية والجمالية نحو فكرة تنبض حياة ومنذ بداياته الأولى جذب هذا المخرج المصري اهتمام السينمائيين وعشاق الفن السابع المتابعين للسينما المستقلة بمصر، فكان فيلمه القصير «يوم الاثنين» أولى بطاقات عبوره إلى عوالم تميزه فنيا عن غيره من التجارب السينمائية الشابة في مصر وفي المنطقة العربية. وفي فيلم «آخر أيام المدينة» الممنوع من العرض في مصر ويعرض خلال هذه الأيام في تونس، يقدم تامر السعيد عصارة تجربته في السينما المستقلة في أبهى تجلياتها.. عن خياراته الفنية، علاقته بالقاهرة وشوارعها.. الحياة، الموت والصداقة تحدث تامر السعيد ل«الصباح الأسبوعي» عن السينما، التي يحب ويستمتع بإنجازها.. كم فيلما سيصور خلال مشواره الفني! مسألة لا تعني «ضيفنا» فهو ليس في سباق وإنمّا في حاجة الى الشعور برغبة في صناعة فيلم وهذه الحاجة هي بداية السحر.. ● بداية كنا ننتظر أن يكون فيلم «آخر أيام المدينة» في إحدى الدورات السابقة لأيام قرطاج السينمائية؟ - أولا أعتبر «آخر أيام المدينة» فيلم أيام قرطاج السينمائية سواء عرض أو لم يعرض وقد نال دعما من «تكميل» وشخصيا مدين لهذا المهرجان بالكثير وللمنتجة درة بوشوشة التي دعمتني كثيرا وجمهور قرطاج من أهم جماهير المهرجانات في العالم وهو تاريخيا كان شاهدا على كل التجارب المختلفة والمغايرة في المنطقة العربية وفي إفريقيا وعدم وجود الفيلم في مهرجان قرطاج سنة 2016 كان لسببين أولا بسبب سوء تفاهم حول قسم المسابقة، الذي سيعرض فيه الفيلم ثم وبعد توجيه مهرجان القاهرة السينمائي دعوة للفيلم اخترنا المهرجان الثاني باعتبار أن الفيلم عن «القاهرة»... وفي السنة الموالية قدمنا الفيلم لأيام قرطاج السينمائية لكن لم يقع اختياره من قبل اللجنة. ● على ذكر مهرجان القاهرة السينمائي وسحب الفيلم من فعالياته ثم تواصل أزمة منع الفيلم في مصر هل من جديد في هذه المسألة؟ - بعد سحب الفيلم من مهرجان القاهرة السينمائي بسبب جهات رقابية وإنكار المهرجان لذلك دخلنا في أزمة جديدة فتكرر الموقف نفسه في مهرجان شرم الشيخ وفي العرض الخاص بالجمهور ولم يعرض في أي مكان. أعتقد أن أصحاب قاعات السينما كذلك يخشون عرض الفيلم وهو عمل «غير مفضل» بالنسبة إليهم. وشخصيا مازالت أتساءل حتى بعد سنتين من طرح العمل، فالرقابة لا تقول إن الفيلم ممنوع وتؤكد أنه سينال تصريحا.. قانونيا الفيلم غير ممنوع وعمليا هو ممنوع.. ● ما تعليقك على الاستقالة الجماعية للجنة السينما التابعة للمجلس الأعلى للثقافة بسبب أزمة «كارما» تزامنا مع تواصل منع فيلمك في مصر ومنذ سنتين؟ - صحيح أن أعضاء لجنة السينما لم يستقيلوا حين منع فيلمي ولم يقدموا على نفس الموقف وذلك يعود لعدة أسبابها أهمها أن المشهد السينمائي المصري يقوم على «ماكينة» إنتاج ضخمة تحارب لحماية مصالحها لذلك لا تجد أفلام هؤلاء صعوبة في العرض وبأني لست جزءا من التقاء هذه المصالح لم يقع الدفاع عن فيلمي كما أن منع أفلام مثل «كارما» سيكون له تأُثير اقتصادي على الكثير من الأطراف أمّا منع «آخر أيام المدينة» فلا يضر سوى صاحبه. وأعتقد أن هذا جزء من ثمن السينما المستقلة التي أعمل ضمن قوانينها فأنا أقدم سينما خارج المنظومة وبعيدا عن النواحي الفنية، نمط الإنتاج الذي اختاره لفيلمي مختلف تماما عن نموذج الإنتاج الموجود في أفلام أخرى وبالتالي من المنطقي ألا تسعى المنظومة الأخرى لدعم نموذج الإنتاج الثاني ولكن رغبت في أن يأخذوا موقفا للدفاع عن فيلم «آخر أيام المدينة» لأن المواقف من الحريات من المفروض أن لا تتجزأ.. وقبول منع «آخر أيام المدينة» دون مقاومة كرس فكرة المنع.. أشعر كما تقول الحكاية ب«أني قتلت يوم قتل الثور الأبيض». ● وهل ستواصل الدفاع عن ضرورة عرض الفيلم في مصر أم ستفكر في البداية في مشروع فني جديد؟ -أتساءل بدوري هل سأقضي عشر سنوات أخرى من حياتي أنتظر عرض الفيلم؟ هل أستمر في المقاومة وحدي ولا أعمل على مشروع جديد وأنا مدرك أن هذا دون نتيجة لأني لا أملك التأثير ولا أعتقد أن الثمن عادل؟.. حاليا أنا بصدد كتابة فيلم جديد لم تتضح رؤيته بعد. ● الفيلم صورت أحداثه سنة 2009 لكن المونتاج أنجز بعد الثورة المصرية فلو تمت هذه العملية التقنية قبل ذلك، هل كنا سنشاهد عملا مختلفا؟ - بدأنا عملية المونتاج من 2012 إلى أواخر 2015 والفيلم لم يستخدم مشاهد مصورة. بعد الثورة قمت بالتصوير لكن لم أستخدم المشاهد فقد كنت أرغب في أن يكون الفيلم وفيا للحظته التاريخية وكنت مدركا أني لو قدمت فيلما عن الثورة سيعيش سنة أو سنتين وبعد ذلك يصبح مرتبطا بفترة تاريخية.. أردت فيلما صالحا للمشاهدة في أي وقت وآمل ذلك..«أخر أيام المدينة» يتكلم عن لحظة ويستخدمها ليعبر عن هواجس أكبر.. مواجهة القمع والوحدة والتعامل مع المدينة واليأس والأرواح المتعبة كما أن تسارع الأحداث على الأرض خلال الثورة أكبر من قدرة الفيلم على رصدها. ● إنجاز الفيلم استغراق قرابة 10 سنوات ألا ترى أن عقدا من الزمن فترة طويلة لإنجاز فيلم؟ - كل فيلم يحتاج زمنا لانجازه و«آخر أيام المدينة» كان في خضم تحديات كبيرة احتجت وقتا طويلا حتى نتمكن من انجازه وأغلبها تحديات إنتاجية تهم مصادر التمويل والعمل الأساسي المتحكم في فيلمي هو نموذج الإنتاج الذي اضطررنا لبنائه ونحن في فترة انجاز الفيلم. فخلال العمل وبعد الكتابة الأولى للسيناريو مع رشا السلطي جلست كثيرا مع أبطال العمل وهم أصدقائي في الحياة ورغبت في تقديم فيلم عنهم واشتغلنا طيلة سنة حتى تتشابك خيوط الشخصيات فندون الملاحظات وتتطور الشخصيات تدريجيا مع البروفات وكان الحوار مرتجلا لكن بعد تحضير متواصل لهذه اللحظات الارتجالية وهذا الأسلوب في الاشتغال يفرض ضغطا كبيرا على فريق العمل ويتطلب مجهودا مضاعفا. ● هل فرضت الفكرة الأساسية ل«آخر أيام المدينة» تقنية المزج بين التوثيق والرواية في مشاهد العمل؟ - لست مؤمنا بالفصل بين الروائي والوثائقي وفيلمي يزيل الحدود بين النمطين ولا أفكر في المسألة ففي ذهني هما غير منفصلين.. فالناس حقيقيون في مشهد مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر على سبيل المثال وفي نفس المشهد يطل البطل في مقدمة الإطار وفي هذه اللقطة نجد الوثائقي والروائي والسينما لا يوجد فيها فصل من منظوري. علينا التواجد حتى نمسك بالسحر حين يحدث. وهذه التقنيات سمحت لنا بالتنقل بحرية بين عوالم الشخصيات وفي استخدامنا لآليات السرد أمّا الصوت فكان يعبر عما شعرت به الشخصيات، بمعنى تتذكر الإحساس لا الكلام وكان استخدام الصوت فوق لقطات التعبير عن الشعور حتى نكثف الزمن والإحساس بالمشاعر وكأنها نوع من الذكريات. ● «آخر أيام المدينة» فيلم عن القاهرة تلتقي فيه بيروتببغداد ويجمع الموت الجميع، فهل هو وصف لعلاقتك بالحدود والنهايات؟ - أؤمن أن هم المدن العربية واحد حتى وان كانت في الظاهر مختلفا فهي تحمل في العمق نفس الجرح.. أتساءل عن مصائرنا في هذه البقعة من الأرض فنحن نملك نفس التاريخ والحدود تفصل بيننا! والفيلم هو موقف ضد فصل مدننا العربية عن بعضها.. الفيلم كذلك عن الصداقة وعن الأصدقاء كيف يدعمون بعضهم واعتبر أن الصديق العراقي أهدى خالد نهاية الفيلم موته وهو نوع من التحية أن ينتهي الفيلم مع بغداد التي لها مكان كبير في قلبي. اختباري للشعور بالفقدان والموت كان في سن صغيرة جدا وكنت في الرابعة من عمري حين ماتت أختي وفقدت بعدها والدي والكثير من أصدقائي في حريق مسرح بني سويف والفيلم كان محاولة لتصالحي مع الموت من ذوبان السكر أو خبر في الراديو فالإعلام يحولنا إلى أرقام ولذلك الفيلم ينتهي مع حسن الذي هو ليس رقما وإنما إنسان فقدناه.. وهنا أعتقد أن البيت الشعري «أن ترى في الشمس ذهبا أصفر وأن ترى في الموت نوما عميقا» أكثر العبارات تعبيرا عن علاقتي بالموت.