أطراف الحرب المعلنة في اليمن هي التحالف العسكري بقيادة السعودية الذي يضم سبع عشرة دولة يدعم القوات اليمنية والطرف الآخر يتمثل في المعارضة أي الحوثيين الذين يٌطلق عليهم بالميلشيا التابعة والممولة من طرف إيران، وعلينا التنويه بأن اسم التحالف العسكري الإسلامي يؤكد على الصراع الديني في المقام الأول ضد الشيعة. إن استهداف الساحل الغربي لليمن يوم السبت 16 جوان 2018 (في فترة عيد الفطر ) تٌعد جريمة، لأن هناك مراحل يتم تجاوزها لإعلان شن أي هجوم، هناك أسلوب الحوار ، المفاوضات و التراضي هذا إن أَبعِدت المساومة والضغط، لأن الحرب أصلا هي انسداد لحالة التوافق و لا أظن أن هناك انسداد كلي وإنما غياب إرادة الأطراف المتصارعة أو أحد الأطراف للجلوس في طاولة المفاوضات وغياب إرادة إقليمية، عربية ودولية لتقريب وجهات النظر ولعب دور الوسيط لإعادة الأمن والاستقرار في اليمن. إن إعلان شن الحرب من طرف قوات التحالف العسكري الاسلامي بقيادة السعودية والإمارات من أجل تحرير ميناء الحديدة دليل على الأهمية الجيوستراتيجية لمحافظة الحديدة (احتوائها لميناء ومطار أي لها ثقل استراتيجي من ناحية التحليل العسكري/الاستراتيجي)، وهزيمة وضعف المعنويات النفسية هذا الطرف مقابل الطرف الآخر الصامد والمقاوم. إن انتشار كل الحوثيين (أنصار الله) والحكومة اليمنية بدعم من التحالف العسكري موضح في الخريطة المقابلة يؤكد على سبب واضح هو غياب توزيع عادل للسلطة و الثروات وانسداد حالة التوافق واختيار اللجوء إلى حمل السلاح والصراع المسلح (وهذا سلوك طبيعي للطبيعة الانسانية) وهذا ما سيؤدي إلي احتمالين هما:إما أن هذا التصعيد الحالي سيضغظ على الطرفين إلى إيجاد تسوية وتوافق وإنهاء حالة الصراع المسلح المنهك أو إعادة تقسيم اليمن مثلما كانت قبل إعادة توحيدها. إدارة الحرب من كل طرف أثناء المعركة دعا مجلس الأمن لإبقاء ميناء الحديدة مفتوحا رغم هجوم التحالف وهذا ما يؤكد على فرضيتنا المبنية على أن مصلحة اليمن لا تهم أي دولة ولا منظمات دولية و إنما تكمن مصلحة اليمن وبقائها من أطرافها الداخلية. كما بينت هذه المعركة بأن اليمن تعاني من ثغرات أمنية وأصبحت ملاذا للصراع، التدريب والتجارب وحتى التعذيب (نتيجة ما تم نشره من فيديوهات حول انتهاك حقوق الانسان من خلال التعذيب في السجون السرية للإمارات في اليمن). لكن الأمر الغريب هو إعلان الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث إعادة تجديد مفاوضات السلام قبل شن المعركة في الحديدة و بعدها تم الحديث عن دوره لإيقاف الحرب والاستجابة لطلب الحوثيين لإشراف الأممالمتحدة على ميناء الحديدة ودفع الأموال للموظفين وهذا ما يؤكد فرضيتنا الأولى بأن هناك صفقة سرية وهذا ليس غريبا لأن الحرب دائما مبنية على صفقات واقتسام المصالح ليتم بعدها إقرار مسار عملية السلام. أهداف كل طرف لكل حرب أهداف، لأن النصر في المعركة أو الحرب مقترن بتحقيق أهداف سياسية في المقام الأول صرح عبدالله المعلمي سفير السعودية في الأممالمتحدة في المنظمة الدولية أكد فيها مطلب التحالف وهو خروج الحوثيين من المدينة وهذا ما يوضح هدف الحكومة اليمنية والأطراف الرئيسية لقوات التحالف. يُقال أن إيران انخرطت في المعركة نتيجة تصريحات إعلامية وشخصيات سياسية فعلى سبيل المثال اعتبر القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري أن»اليمن على أعتاب الانتصار حول معركة الحديدة «. في 22 جوان 2018 نقلت وكالة رويترز أن أمريكا حثت السعودية و الإمارات على قبول اقتراح تولي الأممالمتحدة الإشراف على ميناء الحديدة مع الإبقاء للموظفين اليمنيين يعملون إلى جانب الأممالمتحدة، وبالتالي يٌعتبر كاستجابة لطلب الحوثيين الذي تمثل في قبول إشراف الأممالمتحدة على ميناء الحديدة مقابل دفع رواتب الموظفين الحوثيين (أي اليمنيين طبعا). كما تعهدت السعودية والإمارات بعملية عسكرية سريعة للسيطرة في كل من ميناء ومطار الحديدة (لتقليل الخسائر وحسم المعركة في مدة قصيرة) إلا أن هذا شبه مستحيل لأن الفعالية العسكرية والكفاءة في أرض المعركة لكل من جيوشهما غائب وهذا ما ظهر نتيجة عدم قدرتها على السيطرة بواسطة القصف الجوي في 2015. هناك متغيرات جديدة قد ظهرت مثلا صرحت فرنسا بأنها تدرس إمكانية تنفيذ عملية لإزالة الألغام للسماح لها بدخول ميناء الحديدة اليمني بمجرد اكتمال العملية العسكرية، تدعم فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا التحالف الاسلامي في الصراع اليمني وتمد السعودية والإمارات بالسلاح(حسب مصدر Sputnic News) وهذا ما يؤكد على نوايا أعضاء مجلس الأمن الذين يدعون حفظ الأمن والسلام الدوليين بل حفظ المصالح والاستثمار في ما بعد الحرب. وهناك من يٌروج إعلاميا بأن إيران منخرطة تماما في هذا الصراع وهذا ما يٌعرف بالدعاية أثناء شن الحروب والمعارك التي هدفها إضعاف المعنويات النفسية للأطراف المتصارعة، يعني حتى ولو أن إيران تٌصرح بهذا فهي لا تستنزف مواردها وقدراتها العسكرية ميدانيا مقارنة مع السعودية و الإمارات أي أنها لصالح إيران لأنها تنتهج تكتيك ذكي ومربح، كما لا يمكننا التقليل من وزن إيران إقليميا وتأثيرها سياسيا، دبلوماسيا وعسكريا في كل من سوريا، العراق، لبنان واليمن ولكن بطريقة ناضجة وتنافس بأسلوب يضمن في المقام الأول مصالحها الاستراتيجية وتدعم حلفائها من الخلف أي دون ثرثرة وإعلانات واستعراض الأنا في تأثيرها الاقليمي وبالتالي قوة إيران لا يٌستهان بها سواء إقليميا أو دوليا فهي أصبحت من مواضيع قلب الصحف الغربية والشرقية بل العالم بأسره. تمتلك دول الخليج موارد وإمكانيات مهمة ولها تأثير إقليمي وخاصة من الجانب الديني الذي تستعمله كوسيلة والنفط كمصدر للثروة و توطيد العلاقات مع الدول الغربية لكن يمكن لها أن تلعب دورا مهما أكثر مما فيه، المشكل أنها تٌعاني من غياب مفكرين استراتيجيين لجعلها دول قلب العالم ولو تٌركز في إيجاد من يٌدير سلوكها وعلاقاتها ستكون أكثر قوة من إيران ودول أخرى. أهمية الموضوع هو الإشارة إلى أهم نقاط أخرى مثل التقارب الإيراني- السعودي -الإماراتي وأيضا الروسي فيما يخص بإنتاج النفط و إدراج حزب الله اللبناني وانخراطه في الحرب التي تشن على اليمن بمساعدة و تمويل إيراني. لهذا نركز على أن المصالح هي أساس إدارة كل دولة لعلاقاتها الدولية وبالتالي فإن اليمن كما أشرنا في المقال السابق هي رقعة الشطرنج التي تدفع الثمن وستدفعه غاليا، لأن أي دولة يتم السماح على أرضها شن معارك وتصبح حقل تجارب ستخسر نفسها كدولة وكشعب، ليس هذا فحسب وإنما ستفقد ثقلها الاستراتيجي والدبلوماسي وهذه نقطة مهمة. بقلم: صبرينة جعفر (*) (*) باحثة جزائرية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية