في سهرة السبت21 جويلية 2018 وبعد ثماني سنوات من الفراق الذي فرضته امينة على جمهورها.. وبعد طول انتظار فتحت ايقونة الفن التونسي ومعشوقة الجماهير ذراعيها واحتضنت بهما جمهورا هب بالآلاف ليجدد معها العهد قائلا بصوت واحد:» امينة ..امينة».. وملا بالتصفيق الحار ارجاء المسرح الاثري بقرطاج وفاجأها بالزغاريد التي لفتت انتباهها وأسعدتها وأحبت سماعها وهو ما اثر عليها ايجابا وأخرجها من حالة الرهبة التي انتابتها برؤية تلك الجماهير الغفيرة الهائجة والمائجة المستعجلة لرؤية فنانة تونس الاولى العائدة بعد جفاء .. مصافحة الجمهور الاولى لها بكل تلك القداسة وذاك الاجلال زادها ثقة في نفسها ولعلها احست انها لم تغب ابدا ولم تغادر الركح وان جمهورها مازال على عهده يحبها ويدللها ويستقبلها بكل حب وتقدير واحترام. كان الجمهور سعيدا جدا باسترجاع ايقونته.. لم يعاتبها على الغياب ولم يطلب منها إلا المزيد من الغنج والدلال فلم تبخل امينة تمايلت ورقصت وغنت ولكنها تمالكت نفسها وبدت رصينة لم تهذ كعادتها ولم تخرج عن الموضوع، لم تفرط ولم تفرّط في دغدغة مشاعر جمهورها الذي كان اغلبه من الرجال.. وعدت بليلة من ليالي العمر.. بسهرة طويلة وأغاني كثيرة وبإسعاد الجميع ودعتهم للحلم والحياة وللتمتع باللحظة وتلذذها.. اما هي فلم تلتزم إلا بالغناء وبالأغاني التي اختارتها هي من وحي حقيقة العرض او التي طلبها جمهورها-»ع الجبين عصابة» مثلا- لا بقائمة اغاني عرض»عودة الروح» وقد بدى عليها التأثر في اغلب فترات الحفل وظهرت مختلفة جدا عن امينة التي عرفها الجمهور. كوكب تلالا وأضاء عتمة الليل والقلوب عرض»عودة الروح» هو من الانتاجات الخاصة بمهرجان قرطاج الدولي في دورته 54 اشتركت فيه امينة فاخت مع الفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة المايسترو محمد الاسود. وقد انطلق العرض بمقطوعة موسيقية من تأليفه استوحاها من اغاني امينة واختار لها عنوان»عودة الروح». وعلى انغام هذه المعزوفة تدرجت امينة خطوة خطوة وتمايلت فعلا صياح الجمهور الذي استحسن اطلالتها وصفق لها لتهجم على الركح وقد ارتفع منسوب ثقتها في نفسها وتواجه هؤلاء الذين اتعبهم الانتظار ولسان حالهم يقول كل شيء يهون في سبيل لقاء امينة وتجديد العهد معها وقد حولتها حرارة الاستقبال الى كوكب تتلالا في سماء المسرح الروماني بقرطاج وأضاء عتمة الليل والقلوب. خلال الحفل أثنت امينة على حرفية المايسترو محمد الاسود وعلى براعة العازفين التونسيين وصفقت لهم طويلا وفهم الجمهور رسالتها ولبى دعوتها لتحية تختها و نسي طول الانتظار وانخرط في موجة من الغناء والرقص منتظرا في كل لحظة ان تبرز امامه امينة الثائرة على العرف والمتمردة عن المالوف التي تضيف لعرضها الموسيقي الغنائي من روحها وتجعله «شو» متكاملا فيه الرقص والغناء والتمثيل والحكايات والتعبير الجسدي وتتقاسم خلاله مع جمهورها حلو ومر حياتها وتبرز قسوة الحياة عليها فيعالج الجمهور جروحها بالحب والعشق، ففي حضرة امينة يتحول جمهور مهرجان قرطاج الدولي من مرعب مهاب الى عاشق وديع يتقبل دلال المحبوب وغنجه ويترك له حرية القيادة والتصرف. ولكن الديفا المتفردة في كل شيء كانت مختلفة في عرض»عودة الروح»وفرضت اختلافها والشخصية الجديدة التي اقترحتها على جمهورها. شخصية الام الناضجة والتأثر حد البكاء ظهرت امينة ليلتها بشخصية انضاف لعمرها بعد آخر حفل جماهيري ثمانية سنوات.. بشخصية الام التي نضجت وأصبحت ابنتها ملكة شابة ووقفت معها على نفس الركح العظيم الذي يطمح كل الفنانين للوقوف عليه ويقاس النجاح بحسن تقبل جمهوره وتتأكد الشهرة بالمرور منه. وأضافت امينة لحفلها لحظات من المتعة بصوت ابنتها القوي ومشاعرها الفياضة وأدائها المذهل لأغنية «نشيد الحب» للمغنية الفرنسية الراحلة ايديت بياف. عرضت امينة شخصية مختلفة اذ اختارت ان تأخذ بيد الشباب وتقدم في حفلها ولجماهيرها التي تعد بالآلاف وتهدي ركح المسرح الاثري بقرطاج لمحمد علي شبيل الذي ابهر الجمهور بجمال صوته وقدرته على اداء اغنية من اصعب الاغاني التونسية وهي «ليام كيف الريح» فترفعه بذلك نجما رصّع سماء الفن في تونس .علما بان محمد علي شبيل فنان موهوب سبق له ان شارك في عديد العروض وتميز بحضوره الركحي وقدرته على الاداء. رغم بعض التعب الذي لاحظه من تعود على متابعة حفلاتها ورغم تأثرها الشديد حد البكاء بقبول الجمهور لابنتها والتصفيق الحار والطويل الذي استقبلها به -والحقيقة انها استحقته ولم يكن اخذا بخاطر امينة- غنت امينة عددا من أغانيها المعروفة مثل»ولا مرة» و»يا بلادي نموت عليك « وهي اغنية وطنية جديدة و»سلطانة الغرام «جديدة ايضا و»على الله» و»اسألوا قلبي وعيني»و»ع جبين عصابة»و»موعدنا أرضك يا بلدنا»، و»انا هويت» و»اش خصني كان ربي عطاني» وغنت أيضا «ع الماشينة» و»فراق غزالي» وقرنتها بأغنية»بجاه الله يا حب سمعني»ثم خرجت ببساطة كما دخلت تاركة وراءها جمهورا بقي في مكانه الى نهاية الحفل ينتظر ان تتكرم عليه امينة بهبلة من»هبلاتها» او حكاية من حكاياتها خاصة وأنها وعدت بذلك في بداية حفلها ولكنها قررت ليلتها ان تكون امينة ام ملكة لا امينة فاخت.