يجتاز امتحانات البكالوريا سنويا عدد هام من المترشحين لكن حوالي نصفهم يفشلون، فيرسب الآلاف وترفض المدرسة منهم آلافا أخرى لعدم إمكانية الرسوب . وهذه النسبة مثيرة للانتباه ورغم أن وزارة التربية عملت على متابعة المؤسسات ذات النتائج المتدنية في بعض الجهات إلا أن النتائج لم تتحسن وفق المطلوب . ولأن المنظومات التربوية مطالبة بالنتائج فإن مردودها يقاس بعدد خريجيها من الناجحين وبما مكنتهم المنظومة من كفايات لمتابعة الدراسات العليا أو الاندماج في سوق الشغل . لذا سنتناول اليوم أهم الأسباب التي تؤدي إلى ذلك الفشل والتعامل معها . الأسباب عديدة ومتشعبة لم تستطع المنظومة التربوية التونسية توفير حظوظ النجاح لما يزيد عن 60 ألف مترشح للبكالوريا (دورة 2018 ) منهم من رسب ومنهم من غادر المدرسة لكن هذا الفشل في البكالوريا لا يمكن أن يمر دون تقييم علمي ومعمق. ومع أن مثل هذا التقييم يعتبر عملية معقدة ومتشعبة يتطلب القيام بها فترة زمنية طويلة لتعدد الأسباب أصبح اليوم أولوية تربوية ستكون من الأسس المهمة التي يقوم عليها بناء الإصلاح القادم. علينا في البداية أن نميز بين الفشل المدرسي الظرفي والفشل النهائي. لأن الظرفي أي المتعلق بالتلميذ الراسب فتتوفر له فرصة جديدة للتعويض بعد فهم أسباب فشله أما النهائي وهو المتعلق بالتلميذ المرفوض من المنظومة فمشكلته مغايرة (وكنا تطرقنا إلى هذا الموضوع في مقال سابق). ولهذا الفشل بنوعيه عدة أسباب وهي جميعها قابلة للحل نصنَفها إلى شخصية أو مؤسساتية أو تعليميَة تعلَمية أو متعلقة بالعائلة والمحيط . وتنضوي تحت الأسباب الشخصية مثلا المشاكل المتصلة بمدى قدرة المترشح على تحمل الضغط النفسي الذي ينشأ فترة المراجعة أو فترة الامتحان أو فشله في السيطرة على الخوف الذي يتملكه إما من الامتحان أو من الفشل أو بعدم قدرته على تنظيم المراجعة بالطريقة الوظيفية المثلى أو بعدم تقدير موضوعي إما لمؤهلاته المعرفية الفردية في علاقة بالامتحان أو بسبب تراكم النقائص في مكتسباته القبلية لأن امتحان البكالوريا ما هو إلا تتويج لتعلَمات دامت 13 سنة... أما في المجال المؤسساتي فقد تكون المشكلة متعلقة بالسياسة التربوية أو بالمناخ المدرسي أو بالمدرسة وكيفية اشتغالها وتسييرها وإدارتها ومدى تساويها في الحظوظ مع غيرها من المدارس أو بالخدمات المدرسية التي تقدمها للتلاميذ وبمدى الإحاطة بهم نفسيا أو بتوقيت الدراسة وتوزيع الزمن المدرسي أو إضرابات المدرسين وغيرهم... أما في مجال التعليم والتعلَم فقد تعود إلى مدى تمكين التلميذ من تعليم جيد أو إلى كفاءة المدرس وتمكنه مما يدرس والبيداغوجيا التي يتبعها في التدريس أو لعدم اتمامه للبرنامج في الابان وقد تعود إلى حجم البرنامج وكثافة محتواه أو كثرة المواد التي يجتاز فيها المترشح الامتحان في فترة وجيزة لأن الاستيعاب والمعالجة الذهنية للمعارف تختلف من تلميذ إلى آخر وقد تعود الأسباب إلى الامتحان نغسه الذي من المفروض أن يراعي مستويات المترشحين من المتوسط إلى المتميز وقد تعود أيضا إلى وظيفة التفقد الكلاسيكية المعتمدة والتي تركز على مراقبة مدى الالتزام بالأهداف البيداغوجية الرسمية في حصة معينة ولا تقيس النتيجة والأثر على المتعلم انطلاقا من معايير مضبوطة مسبقا تحمل المدرس مسؤولية نتائج تلاميذه أما في المجال العائلي والمحيط فقد يعود إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعائلة أو المنطقة التي تتواجد فيها المدرسة وخاصة المناطق المهمشة أو إلى المستوى الثقافي للولي الذي يجهل أسلوب التعامل مع ابنه في ظروف الامتحان.. ثقافة التقييم من الضروري بعد الوصول إلى الأسباب، العمل على تقييم أثر كل سبب على النتائج ووضع الحلول المناسبة لتجاوز تلك النقائص وعدم تكرارها ووضع خطة استراتيجية مستقبلية للمتابعة ونشر ثقافة التقييم وإرساء تقليد جهوي لتقييم النتائج وأسبابها سنويا واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها. إن الهدف من هذا التقييم هو الانتهاء إلى تطبيق سياسات وإجراءات وأنشطة تمكن كل التلاميذ من الكفايات الأساسية وتمكن العدد الأكبر منهم من الكفايات المنتظر اكتسابها في نهاية الدراسة والتي تسمح لهم بالحصول على الشهادات المرتبطة بها أي النجاح في نهاية الدراسة. لكن دراسة نتائج البكالوريا وحدها ليست كافية فمن الضروري دراسة مدى تمكن المتعلمين من الكفايات المطلوبة سنة بعد أخرى في المواد الرئيسية على الأقل مما يقلص من النقائص التي تظهر في المستويات المتأخرة وهذا يفرض عملا تقييميا دوريا للمكتسبات خارج التقييم المدرسي الرسمي .. * باحث وخبير تربوي