قطب ثقافي فتح أبوابه مجددا للنشاط الفني والثقافي وسط العاصمة لكن بخصوصية تختلف عن الفضاءات الثقافية الأخرى، يتمثل في دار الثقافة المغاربية بن خلدون وذلك بعد أن تواصلت أشغال الصيانة وإعادة التهيئة لمدة سنتين. لتفتح هذه المؤسسة أبوابها للعموم مؤخرا وتعود للنشاط بإدارة بختة الوسلاتي. وتواصل دورها كحاضنة للمبدعين والمثقفين في اختصاصات عديدة نذكر من بينها المسرح والسينما والفنون التشكيلية خاصة أن هذا الفضاء يحتضن ويقدم عديد الأنشطة والبرامج الثقافية إلى جانب دار الثقافة بن رشيق. ليتحقق هذا المشروع الذي تأخر إنجازه في أكثر من مرة باعتبار أن نفس المبلغ المخصص لإعادة التهيئة والصيانة كانت قد رصدته وزارة الثقافة لهذه المؤسسة قبل ثورة 14 جانفي 2011 ولكن تم التراجع عن المشروع الإصلاحي لتزامن المرحلة مع إشراف الوزارة على تنظيم تظاهرات ثقافية دولية كبرى على غرار مدينة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية للمنطقة العربية التي انتظمت سنة 2009. وشملت عملية الصيانة والترميم في هذا الهيكل الثقافي الذي قدرت تكلفة أشغاله ب 1.983 مليون دينار، كامل مكونات البناية فضلا عن توفير كل التجهيزات والتقنيات الخاصة بالفضاءات التابعة لهذه المؤسسة، وذلك وفق ما أكده لسعد سعيد المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بولاية تونس ل"الصباح"، موضحا أن عملية التهيئة شملت المكاتب وقاعات العرض المسرحي والسينمائي فضلا عن الرواق الخاص الفن بالتشكيلي الذي أصبح في أبهى حلة وبمقاييس المعارض العالمية الكبرى حسب ما أكده محدثنا. وتجدر الإشارة إلى أن دار الثقافة المغاربية بن خلدون هي مؤسسة ثقافية تقع وسط تونس العاصمة ذات طراز معماري إيطالي كانت تحمل اسم "لا دانتي أليغييري" وقع تشييدها سنة 1926. وتمت تونستها بعد الاستقلال تحت اسم دار الثقافة ابن خلدون وكان أول من تولى الإشراف على إدارتها الجامعي محمد عبدالسلام. ليتم تغيير توجهها لأسباب سياسية في ذكرى تأسيس المغرب العربي وتم افتتاحها في شكلها الجديد في نفس الذكرى يوم 17 فيفري 1993 من قبل وزير الثقافة آنذاك المنجي بوسنينة وأصبحت منذ ذلك التاريخ تحمل اسم دار الثقافة المغاربية ابن خلدون. وما يحسب لهذه المؤسسة أنها كانت منارة فكرية وثقافية بامتياز وكانت قبلة أهل الفكر والثقافة والفنون في تونس بشكل خاص إذ يكفي الاستشهاد بما قدمته وحدة الدراسات الخلدونية التي كانت تحتضنها نفس المؤسسة في بداية التسعينات وكان يشارك فيها بانتظام ثلة من المفكرين والكتاب والأدباء على غرار الراحل محمد الطالبي وفتحي التريكي وغيرهما من الناشطين في مجال الفلسفة والفكر والأدب لنتأكد من ذلك. لكن توقف نشاط هذه الوحدة تقريبا في نهاية 1996. وقد تداولت على إدارتها أسماء رائدة وتعد رمزا ومرجعا في الثقافة في تونس نذكر من بينها رؤوف سعيد وعبدالقادر القليبي وعبدالقادر الحاج نصر ومنير الفلاح والهادي الموحلي ومحمد مصمودي وسمير العيادي وجوهر الجموسي ومنير العرقي ونبيلة الكوكي وغيرهم. اختلاف في الدور والخط ولئن أقر المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بتونس لسعد سعيد بالاختلاف الكبير بين دور كل من دار الثقافة المغاربية بن خلدون ومدينة الثقافة نظرا لخصوصية كل مؤسسة ثقافية فإنه يؤكد الدور والمهام العديدة التي تضطلع بها هذه المؤسسة لاسيما بعد التحسينات والتطوير في مهامها إثر أشغال الصيانة وإعادة التهيئة مما يجعل منها منارة ثقافية. وبين أنه سيتم خلال الأسابيع القليلة القادمة الدخول في مرحلة مناقشة وضبط البرنامج العام لهذه المؤسسة بالاشتراك مع إدارتها ووزارة الشؤون الثقافية وذلك بمراعاة الشغورات من ناحية ووضع البرنامج السنوي الكامل موازاة مع عملية ضبط البرنامج الخاص بدار الثقافة بن رشيق. لأنه يعتبر مدينة الثقافة مختلفة في توجهها عن هذه المؤسسة وفسر ذلك بأن نشاط وأهداف وبرنامج هذه المدينة مبنية على "أقطاب" في المسرح والأوبيرا وغيرها. وأوضح محدثنا في نفس السياق قائلا: "ستنفرد هذه المؤسسة في خط أنشطتها بتوجهها المغاربي وذلك من خلال استقطاب واحتضان المبدعين والمثقفين من مختلف القطاعات الثقافية والمجالات الفنية على نحو تصبح فيه فضاء للإبداع الحقيقي والتحاور في المسائل الثقافية من خلال توظيف وتشريك شخصيات اعتبارية في الحقل الثقافي والمسألة لا تقتصر على تونس فحسب بل تنفتح لتشمل مبدعين ومثقفين من بلدان المغرب العربي". وأكد أن الهياكل الثقافية الرسمية ستحرص على تكريس ذلك في برمجة هذه المؤسسة حسب الإمكانيات المتاحة وذلك في إطار تنظيم التظاهرات وأنشطة التبادل الثقافي المغاربي بشكل خاص. وسيتم في نفس الإطار أيضا بعث نادٍ للفن المغاربي بالتعاون مع إدارة التعاون الدولي بوزارة الشؤون الثقافية وبالتنسيق مع سفارات البلدان المغاربية في تونس وفق ما تم الإعلان عنه في حفل افتتاح "الدار" من قبل مديرتها بختة الوسلاتي. كما أفاد لسعد سعيد أنه سيتم توسيع نشاط هذه المؤسسة مقارنة بما كانت تقدمه في مرحلة ما قبل الصيانة، وذلك بإعادة النوادي الثقافية المختصة في السينما والمسرح والفنون التشكيلية والموسيقى وغيرها فضلا عن بعث مكتبة سينمائية والمحافظة على مقرّ جمعية النقد السينمائي وغيرها من الهياكل الثقافية الأخرى. لذلك ترافق هذه العودة انتظارات أهل الثقافة والفكر والإبداع على نحو يعيد لهذه المؤسسة دورها في استقطاب المبدعين واحتضان الإبداع من ناحية لتكون قبلة الجميع على نحو ما كانت عليه في أولى سنوات توجهها المغاربي مؤسسة ثقافية جامعة، والاضطلاع بدور المتلقي المغاربي الثقافي الفاعل من ناحية ثانية بما يساهم في تحقيق انتعاشة الإبداع على مستوى مغاربي وتحريك أواصر التعاون المشترك في مجالات ثقافية وفنية مختلفة.