لعل أول ما يجب الانتباه له أن الصين بلد المليار ونصف مليار نسمة ليست منظمة خيرية ولا تسعى إلى إنقاذ الإنسانية من الجوع والفقر ففي الريف الصيني وعلى مشارف العاصمة الصينية بيكين الآلاف من البؤساء الذين يحتاجون تحسين ظروفهم الحياتية، والأكيد أن العملاق الصيني القادم الذي بات يزعج القوى الاقتصادية الكبرى ويحركها لكبح جماح المارد الآسيوي الزاحف إلى إفريقيا له مصالحه الآنية والمستقبلية للبحث عن أسواق جديدة والفوز بالمواد الأولية التي تحتاجها الصين.. وقد انتبهت الصين إلى صحوة إفريقيا وما باتت تحققه الكثير من الاقتصاديات ومنها أثيوبياوالسنغال وجنوب إفريقيا من نمو اقتصادي من شأنه إغراء القوى الكبرى الباحثة عن أسواق استهلاكية جديدة. ولاشك أن في تحذيرات الرئيس الصيني إلى ضيوفه الأفارقة ما يحتمل أكثر من إشارة وأكثر من قراءة عندما يحذر من تحويل وجهة التمويلات الصينية إلى مشاريع عديمة الجدوى، في اختتام الدورة الثالثة للمنتدى الإفريقي الصيني أمس، وهو تحذير اقترن بالإعلان عن تخصيص الصين ستين مليار دولار لإفريقيا.. ولا نخال الرئيس الصيني نطق من فراغ أو تحدث دون أن تكون له أسبابه ودوافعه لتبني هذا التوجه وهو الذي سار عندما تولى منصبه الرئاسي على نهج سابقيه من الرؤساء الصينيين في العقود الأخيرة الذين جعلوا من زيارة بعض الدول الإفريقية محطتهم الأولى لتكريس سياستهم وتوجهاتهم الخارجية.. وهو ما يعني بكل بساطة أن الرئيس الصيني ومستشاريه لهم دراية واسعة بواقع الدول الإفريقية ومعاناتها مع الفساد وسوء التصرف وانعدام الشفافية والحكمة في الاستثمار لا في ثرواتها الطبيعية والبشرية الكثيرة ولكن وهذا الأهم في المساعدات والتمويلات والهبات الكثيرة التي تحصل عليها سواء من المؤسسات المالية الدولية أو من الدول الأوروبية والآسيوية والأمريكية.. الواقع أن الرئيس الصيني أراد استباق الأحداث وتوجيه رسالة للمشاركين الأفارقة في المنتدى بأن أعين بيكين ستلاحق المشاريع الاستثمارية والتمويلات التي ستقدمها للدول الإفريقية ... الأكيد أن للصين تجارب سلبية مع عديد الحكومات الإفريقية التي عرقلت الكثير من المشاريع الاستثمارية بما في ذلك تونس حيث بقي مشروع مستشفى صفاقس يواجه الكثير من العراقيل نتيجة البيروقراطية المجحفة تماما كما أن غياب الشفافية في قضية الهبة الصينية لا يمكن أن يغيب عن أذهان السلطات الصينية ... الأكيد أن المنتدى الصيني الإفريقي الثالث الذي يأتي لإحياء مبادرة طريق الحرير من بيكين الى قرطاج فرصة تتاح للدول الإفريقية لتوسيع دائرة شركائها والتخلص من القيود الاستعمارية التي فرضت عليها وعرقلت جهودها في التنمية خلال زيارته الأخيرة إلى السنغال قال الرئيس الصيني «في كل مرة آتي إلى أفريقيا ألاحظ الحيوية الكبيرة لهذه القارة الموعودة بمستقبل زاهر»، مؤكدا «ثقته التامة بمستقبل التعاون الصيني الأفريقي..». الأكيد أن بين الصين بلد المليار ونصف المليار نسمة وبين القارة السمراء بلد المليار نسمة أرضية مشتركة من أجل توازن اكبر بين الشعوب والأمم ..