أكد الأستاذ منذر الشارني الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب أن الاعتداءات الأمنية المسلطة على المواطنين خلال الأشهر القليلة الماضية أصبحت أشد عنفا وأكثر شراسة مقارنة بالسابق. وأضاف في تصريح ل»الصباح» أن المنظمة، وبعد أن أعدت تقريرا حول الاعتداءات المسجلة خلال شهر أوت الماضي، تلقت بانشغال كبير ملفات جديدة لمواطنين تعرضوا إلى اعتداءات بالعنف الشديد من قبل رجال أمن منهم مواطن تعرض للضرب المبرح لما كان بصدد زيارة شقيقه في مستشفى، ومواطن آخر يعمل بائع تين شوكي تعرض بدوره الى اعتداءات عنيفة. وبيّن أن المنظمة سترفع شكاية في الأمر وستوجه مكتوبا الى وزارة الداخلية لتحذرها من وجود منحى تصاعدي في ممارسة العنف من قبل الأمنيين. وعن سؤال يتعلق بمضامين التقرير الأخير، قال الشارني إن المنظمة دأبت على إصدار تقارير شهرية حول الانتهاكات التي يرتكبها رجال الأمن في حق المواطنين، وتبين لها من خلال الحالات الموثّقة أن الاعتداءات المسجلة في شهر أوت وبداية شهر سبتمبر كانت قاسية، وتأكد لها أنّه لا وجود لأيّ رادع لمرتكبي تلك الانتهاكات. وفسر الشارني أن الأمنيين يأخذون الوقت الكافي لممارسة عنفهم وأنهم أحيانا يلفقون تهما لضحاياهم، والأدهى من ذلك والأمر هو أن هناك اعتداءات نجمت عنها أضرارا بدنيّة جسيمة على الضحايا. وكان من المفروض في الدولة - حسب الكاتب العام للمنظمة - أن تتحمّل مسؤوليتها في علاج الضحايا وفي رعايتهم وفي التعويض لهم لأنهم ضحايا لأعوانها، لكن هذا لا يحدث، لذلك يضطر الضحية الى تكبد مصاريف التنقل والعلاج على حسابه الخاص. وفسر الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب أسباب تصاعد وتيرة العنف بتنامي عمليات التحريض التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على مواطنين اعتدوا على أمنيين. وقال إن الاعتداءات التي يرتكبها المواطنون على الأمنيين تعتبر حالات معزولة ولا يوجد أي وجه للمقارنة بين عددها وعدد الاعتداءات التي يرتكبها رجال الأمن على المواطنين. وذكر الأستاذ الشارني أن المواطنين المعتدى عليهم في الفترة الأخيرة أكدوا للمنظمة أن الأمنيين عاملوهم بشراسة كبيرة وبتشف واضح وكأنهم في موضع تصفية حسابات أو ثأر، كما أن هناك منهم من نشروا صور مواطنين وقالوا عنهم إنهم مجرمون خطيرين، ضاربين بمبدأ الانضباط الأمني عرض الحائط. ولم تسلم النساء أيضا من ممارسات الهرسلة والإهانة سواء من خلال احتجاز وثائق الهوية أو إبقائهنّ في قاعات الانتظار دون أيّ مسوّغ قانوني. وتؤكّد بعض الحالات التي رصدتها المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب - على حد قول الأستاذ الشارني - تواصل الإفلات من العقاب وذلك جراء إطالة أمد الأبحاث في القضايا المرفوعة ضدّ أعوان أمن بهدف دفع الضحية إلى التخلي عن التتبّع والتنازل عن حقوقه. دعوات لا محل لها وعبر الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب عن رفضه للاعتداءات على الأمنيين لكنه في المقابل رأى أن الدعوات التي تنشرها بعض الصفحات المحسوبة على النقابات الأمنية للتسريع في سن القانون المتعلق بزجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح، هي دعوات في غير محلها. وقال إن القانون الجاري به العمل زجري بما فيه الكفاية ويتضمن عقوبات صارمة جدا وفيه عدة أحكام مخلة بمبدأ المساواة بين المواطنين، لذلك من المفروض أن تتم الدعوة الى مراجعة هذا القانون في اتجاه تحقيق المساواة بمعنى أن العقوبة التي تسلط على المواطن الذي يعتدي على أمني يجب أن تماثل العقوبة التي تسلط على أمني يعتدي على مواطن، كما انه في الوقت الحالي يتم ايقاف المواطن الذي يعتدي على أمني بصفة آلية لكن في المقابل لا يتم ايقاف الأمني الذي يعتدي على مواطن ولا يتم عقابه. ويرى الأستاذ الشارني أن الأمن التونسي مازال بعيدا كل البعد عن الأمن الجمهوري، الأمر الذي يتطلب من وزارة الداخلية الاستثمار في تكوين الأمنيين على مبادئ الأمن الجمهوري وفي تدريبهم على احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية. وأضاف محدثنا أن المنظمة رفعت جملة من التوصيات للجهات المسؤولة. وتتمثل أبرز هذه التوصيات في الدعوة الى التحقيق في حالات العنف المسلطة على المواطنين، وتدريب أعوان الأمن على كيفية التعاطي مع المواطنين عند مراقبة وثائق الهوية خلال عمل الدوريات. كما أوصت المنظمة بالكفّ عن أعمال التنكيل بالمواطنين عند حجز وثائق الهوية وعند المرافقة إلى المقرات الأمنية وبالكفّ عن تلفيق التهم لضحايا الانتهاكات لإجبارهم على التخلي عن حقهم في التظلّم. وأوصت القضاء بضرورة تحمّل مسؤوليته في حماية المواطنين من أعمال التنكيل وفبركة القضايا ودعت الى إلغاء جنحة هضم جانب موظف عمومي من المنظومة الجزائية لمساسها بمبدأ المساواة بين المواطنين، وطالبت بإصلاح نظام الخدمات الصحية داخل السجون وضمان تمتّع السجين برعاية صحية مساوية لتلك التي يتلقاها سائر المواطنين. كما دعت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، النيابة العموميّة الى تحمل مسؤوليتها في متابعة ومراقبة الأبحاث الجارية في الشكاوى المرفوعة ضدّ أعوان الأمن بسبب التعذيب أو العنف ضمانا لنجاعتها وتجنبا لإطالتها. وتعرضت المنظمة في تقريرها لشهر اوت لعدد من الحالات منها حالة مواطن طالبه عونا أمن لما كان مارا بشارع لوي براي بالعاصمة، بوثيقة الهوية وسألاه عن المكان الذي قدم منه وعن المكان الذي يقصده، ورغم إجابته عن السؤال تمّ إرغامه بالقوة على ركوب السيارة الامنية وتكبيل يديه إلى الخلف وصفعه بقوة على مستوى أذنه اليسرى وجرّه أرضا وضربه بالجهاز على رأسه، وفي مركز الأمن تم ربط يديه إلى كرسي وحُجز هاتفه المحمول وإغلاقه، وقُدّمت له اثر ذلك ورقة وطلب منه الإمضاء عليها دون معرفة محتواها وتم تهديده بعدم اطلاق سراحه إن هو رفض الإمضاء على الورقة ولم يسمح له بالاتصال بمحاميه في الإبّان نظرا لحجز هاتفه وإغلاقه، ويعاني الضحية حاليا حسب ما جاء في نفس التقرير من أضرار بالغة على مستوى أذنه بفعل العنف الذي تعرّض إليه ولديه ملفّ طبّي في الغرض. وأشار التقرير الى تعرض مواطنة كانت تجلس في أحد مقاهي شارع بورقيبة بالعاصمة رفقة بناتها الثلاث الى مضايقات وهرسلة وايقاف جراء خلاف حصل بينها وبين عون أمن.