لا أحد يمكنه أن ينكر حقيقة القطيعة الحاصلة الْيَوْمَ بين رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، وهي قطيعة لم تشمل الشأن السياسي في علاقة بحزب نداء تونس فحسب بل وشملت ايضا التنسيق حول التسيير المشترك للدولة وللبلاد عموما. هذا ما كشفه انقطاع اللقاءات بين الشاهد ورئيس الدولة منذ ما يزيد عن أسبوعين كاملين حيث كان آخر اجتماع لهما بتاريخ 29 أوت المنقضي وتمحور حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بالبلاد، كما تمّ استعراض التدابير المتخّذة لضمان نجاح العودة المدرسيّة والجامعيّة. لقاء 29 أوت كان آخر موعد بين رأسي السلطة لتنقطع معها اللقاءات الى غاية يوم امس الخميس 13 سبتمبر الجاري والحال انهما كانا يتقابلان مرتين أسبوعيا على الأقل في السابق، ويبدو واضحا حالة الغضب التي تسيطر على الباجي قائد السبسي في تعامله مع يوسف الشاهد الذي مر الى السرعة القصوى في التعامل مع بقايا النداء والكتلة النيابية للحزب وهو ما اعتبره آلِ السبسي اعتداء على سلطة الاب المؤسس، بعد ان تجاوز الشاهد السرعة السياسية المسموح بها وأرغم المدير التنفيذي نجل الرئيس ومن ورائه الباجي شخصيا على التنازل ورمي المنديل بعد ان حشرهما الشاهد في زاوية حلبة الصراع. موقف الرئيس الباجي قائد السبسي يبدو طبيعيا بعد ان فقد السيطرة على جزء كبير من خيوط اللعبة السياسية داخل الحزب والبرلمان، الامر الذي دعاه للتريث والتراجع خطوات قليلة للوراء في محاولة لاستعادة الانفاس والتقليل من الضغط الحاصل على الحزب تجنبا لمنعرجات الانقسام ورحيل جزء واسع من الكتلة. فحديث المدير التنفيذي وتكذيبه لخبر التحول الى خط المعارضة مع الاعتراف بأبوة النداء على الشاهد من خلال قوله «الشاهد ولد النداء» محاولة واضحة للتقليل من منسوب الخلافات. ومع تراجع قائد السبسي فقد ترك الرجل فراغات واضحة، والاكيد ان الشاهد لن يفوت على نفسه فرصة ملء تلك الفراغات، والاكيد ايضا ان الشاهد لن ينضبط لمهلة ال24 ساعة التي منحها إياه الحزب للرد على أسئلة يراها حافظ قائد السبسي مهمة جدا لتحديد مستقبل العلاقة بين رئيس الحكومة وحزبه في حين يرى فيها أنصار الشاهد نوعا من «التفاهة والغباء السياسي. ويقول قريبون من الشاهد ان النداء «كان صرحا فهوى» وبالتالي فإن ترميمه من الداخل أو حتى من الخارج لن يقدم تلك الصورة التي انطلق بها أو حتى صورة 2014. فخلاف الشاهد مع حافظ رغم نفي هذا الاخير لهذه الحقيقة هو في الأصل خلاف بين الشاهد والباجي قائد السبسي نفسه.. ذلك ان المدير التنفيذي للنداء هو في الأصل صورة ظل للرئيس الذي لم يغادر بعد حزب النداء وبقي محافظا على الماكينة رغم استقالته - نظريا - منه. وهو ما عبر عنه القيادي الندائي رضا بلحاج بالقول أن حافظ لم يكن يوما بتلك القوة والفطنة السياسية ليهزم كل خصومه داخل الحزب بل وليتحول الى رقم في المعادلة السياسية والحال انه غير قادر على صياغة جملة مفيدة. كما قال في اكثر من تصريح ان حافظ ليس الا كومبارسا على مسرح نداء تونس، وأن الفاعل الحقيقي هو الباجي قائد السبسي. هكذا موقف يؤكد ان الخصم الحقيقي للشاهد هو الرئيس الباجي وليس حافظ، ومن هنا يُفهم السبب الحقيقي والاصرار الواضح على الإطاحة بالشاهد منذ 5 أشهر، وقد علق أحدهم قائلا: «ان الباجي قائد السبسي لم ينتصر لابنه حين أطل علينا على قناة نسمة بل ان الرئيس دافع عن نفسه وقد ظهر يومها انه لا يمثل رئيس كل التونسيين بل رئيس شق داخل حزب». ويبقى الثابت ان النداء وشقوقه المتكررة سبب واضح في حالة العطالة السياسية والاجتماعية الحاصلة، وهو ما يراه قطاع واسع من السياسيين حيث اعتبر الامين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي ان خلافات النداء ألقت بضلالها على الدولة وآليات تسييرها. وقد تأكد ذلك مع اعلان النداء عن نيته سحب وزرائه من حكومة الشاهد في محاولة لدفع رئيس الحكومة القيام بتحوير وزاري عبر الذهاب الى البرلمان وهو مافشل الحزب في القيام به، فالشاهد لن يذهب الى البرلمان مجددا ان ضمن التصويت على مقترحه بتعيين وزير للداخلية عِوَض الوزير المقال. وقد أربك هذا التداخل بين الدولة والحزب السير العام للبلاد الامر دفع برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي للتوسط والتدخل بين قطبي النزاع أي رئيس الجمهورية والشاهد اللذين أكدا سعيهما لحل الإشكاليات العالقة، بيد ان ذلك لم يحصل الى اليوم، لتتواصل الحرب الباردة بين رأسي السلطة رغم نفي المحيطين بهما لهذا الواقع.