بالتوازي مع وقع الفيضانات العارمة التي اجتاحت ولاية نابل وخلفت خسائر ضخمة خاصة في البنية التحتية، وتحول رئيس الحكومة يوسف الشاهد لمعاينة المناطق المتضررة، لم يتوقف «فيضان» الأزمة السياسية داخل حزب نداء تونس وتواصل «سيل» الاستقالات وبنسق سريع لقياديين بارزين ومنسقين جهويين ومحليين في حركة غضب احتجاجية شملت عددا من فروع الحركة ومكاتبها الجهوية، من خلال انضمام تنسيقيات جهوية جديدة إلى «حركة التمرد» التي تعرفها فروع الحركة منذ أيام آخرها تنسيقية ولاية تطاوين التي طالبت أمس برفع التجميد عن يوسف الشاهد وتعيين هيئة تسييرية وقتية لتسيير الحزب إلى حين المؤتمر القادم.. في تناغم مع تصاعد دعوات سابقة من قبل كتلة النداء السبت الماضي، وتنسيقيات جهوية بصفاقس وبنزرت وبن عروس وسليانة تطالب باستبعاد المدير التنفيذي للحركة على وجه الخصوص. تطورات مثيرة تعرفها حركة نداء تونس هذه الأيام في ما يشبه الانفجار الداخلي مع وجود مساع حثيثة من قبل بعض القياديين في الحركة على وقف نزيف الاستقالات والانهيار، في محاولة أخيرة لتقييم الوضع وتشخيص أسباب الأزمة وتحديد المسؤوليات مع المطالبة -قبل فوات الأوان- بالقيام بإصلاحات هيكلية وجوهرية صلب قيادة الحركة تشمل استبعاد المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي ومحاسبة رئيس الكتلة سفيان طوبال، مع رفع تجميد عضوية يوسف الشاهد في الحزب. ومع تطور سلسلة الأحداث المثيرة في المشهد السياسي، يبدو أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد سيكون المستفيد الأكبر من الأزمة التي يعرفها الحزب وهو الذي سجّل نقاطا مضاعفة تحسب له خاصة في طريقة تعامله وردة فعله المحسوبة تجاه قرار تجميد نشاطه داخل الحزب وقبلها تجاه دعوات استقالته أو إقالة حكومته والتي باءت جميعها بالفشل، خاصة بعد أن نجح في تكوين حزام سياسي داعم للحكومة وتحصينها من السقوط، مكون أساسا من حركة النهضة وكتلة الائتلاف الوطني حديثة التكوين التي تضم مجموعة من النواب المستقلين ونوابا استقالوا من كتلة النداء ومن كتلة الوطني الحر.. ولبس الشاهد بالتالي ثوب المنتصر سياسيا خاصة على الداعين إلى إقالته من جهة وعلى غريمه حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحركة نداء تونس الذي كان من ابرز الداعين إلى إقالته من رئاسة الحكومة وتجميد عضويته داخل الحزب. وكانت الأزمة قد اتخذت شكلا تصاعديا منذ إعلان الهيئة السياسية للنداء عن تجميد عضوية الشاهد بالحزب لتجاهله اتهامات بالوقوف وراء استقالة مفاجئة ل8 نواب من كتلة النداء تبعتها استقالات أخرى شملت نوابا آخرين من كتلة النداء، وقياديين بارزين في تنسيقيات جهوية ومحلية أعلنت ولاءها لأهداف الكتلة النيابية الجديدة القريبة من الشاهد ولمشروعها الوطني. عموما، بداية أسبوع ساخنة في مسلسل الأزمة السياسية التي تعصف بنداء تونس منذ أيام، بعد أن صرح المنسق الجهوي لحركة نداء تونس والعضو بمجلس نواب الشعب الطيب المدني أن أعضاء المجلس الجهوي للحركة بتطاوين دعوا إلى رفع التجميد عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد وعقد اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي وتعيين هيئة تسييرية لقيادة الحزب إلى حين انعقاد المؤتمر. وكان الحاضرون في اجتماع كتلة حركة نداء تونس، المنعقد السبت الماضي بمجلس نواب الشعب، قد أجمعوا على «ضرورة تغيير القيادة الحالية للحركة وبالخصوص مديرها التنفيذي حافظ قائد السبسي»، وفق تصريح النائبة بالكتلة فاطمة المسدي لوكالة تونس إفريقيا للأنباء. وأكدت المسدي «وجود إجماع بين النواب الحاضرين في هذا الاجتماع حول رفض القيادة الانفرادية لحركة نداء تونس، وتحميل قيادته الحالية مسؤولية الأزمة التي يمر بها الحزب في الفترة الأخيرة». وأضافت أن النواب المجتمعين دعوا لعقد اجتماع للهيئة السياسية للحزب، التي تتولى بدورها دعوة المكتب التنفيذي الموسع صلب الحركة للاجتماع في أقرب الآجال لاتخاذ القرارات التي تعيد تصحيح مسار الحركة». ومن المقرر أن تصدر كتلة النداء بيانا بخصوص الأزمة السياسية اليوم أو غدا بعد الحوار الذي أدلى به (مساء أمس) رئيس الجمهورية والرئيس المؤسس لحركة نداء تونس الباجي قائد السبسي. يذكر أن الاستقالات صلب كتلة نداء تونس وهياكلها الجهوية والمحلية، شملت نهاية الأسبوع المنقضي 4 نواب جدد (إسماعيل بن محمود ولطفي علي وعبير عبدلي وسناء الصالحي)، لينضافوا إلى التسعة نواب الذين استقالوا في مستهل شهر سبتمبر الجاري والذين التحق 8 منهم بكتلة «الائتلاف الوطني» القريبة من رئيس الحكومة يوسف الشاهد. كما شملت الاستقالات، التنسيقية الجهوية لحركة نداء تونس ببن عروس، التي أعلنت عن تكوين تنسيقيات «الائتلاف الوطني» والتي «تهدف إلى الدفاع عن الاستقرار السياسي والحكومي وتتقاسم الأهداف ذاتها مع الكتلة البرلمانية الجديدة التي تحمل نفس التسمية». كما نشر ممثلو الهياكل المحلية والمستشارون البلديون للحزب بسليانة نص استقالتهم الجماعية من هياكل الحزب. وصدر عن اجتماع انعقد السبت الماضي بقصر هلال، حضره عدد من نواب الحزب عن دائرة المنستير والمستشارين الجهويين والمحليين للحزب، بيان حمل المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي ورئيس الكتلة سفيان طوبال تردي الأوضاع داخل الحزب. ونشر المنسق الجهوي لنداء تونس في ولاية بنزرت منذر بيرم بيانا منسوبا لثلاثة مستشارين بلديين بالجهة، أكدوا فيه «رفضهم لقرار تجميد عضوية رئيس الحكومة يوسف الشاهد». وكانت الهيئة السياسية لنداء تونس أعلنت يوم 14 سبتمبر 2018 تجميد عضوية يوسف الشاهد في الحزب ورئيس ما يعرف بلجنة ال13 التي أقرها الرئيس الباجي قائد السبسي وأفضت إلى عقد مؤتمر الحزب بسوسة في جانفي 2016 التي انبثقت عنه القيادة الحالية للحزب. ويعرف حزب نداء تونس الفائز في انتخابات 2014 بأكثر المقاعد بالبرلمان، أزمة سياسية، هي الأعمق بعد أزمة خريف 2015، عندما انسلخ عن الحزب أكثر من 30 نائبا بالبرلمان بقيادة الأمين العام السابق للحزب محسن مرزوق كونت حركة مشروع تونس، وكتلة الحرة بالبرلمان. واشتدت الأزمة مع تفاقم الصراع السياسي بين الشاهد ونجل الرئيس حافظ قائد السبسي خاصة بعد تدوينة نشرها هذا الأخير في شهر ماي 2018 على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» طالب فيها يوسف الشاهد بالاستقالة من رئاسة الحكومة، ورد عليه الشاهد في إطلالة بثت على التلفزة الوطنية في نفس الشهر رفض فيها الاستقالة متهما صراحة حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس بوقوفه وراء خراب الحزب.. ومن غير المستبعد أن تعرف الساحة السياسية في قادم الأيام تطورات لافتة بخصوص الأزمة التي يمر بها حزب نداء تونس، وقد تأخذ مجرى ثلاث خيارات لا رابع لها من بينها: - رفع تجميد عضوية يوسف الشاهد في الحزب مع إطلاق حركة تصحيحية قد تفضي إما إلى مصالحة بين الرجلين الغريمين وتعيين هيئة قيادة سياسية محايدة لتسيير الحزب والإعداد للمؤتمر القادم، أو استقالة المدير التنفيذي للحركة حافظ قائد السبسي، مع عودة النواب والقيادات المستقيلة إلى حضيرة الحزب. - استبعاد المدير التنفيذي من موقعه الحالي في الحزب وربما تجميد عضويته في الحركة في صورة تشبثه بموقعه، مع إمكانية تغيير في هيكلة كتلة النداء بالبرلمان. - بقاء الوضع كما هو عليه حاليا في صورة فشل دعوات الاستبعاد والإصلاح والمصالحة..