من شأن صور ومشاهد التضامن الشعبي التونسي الذي اشتركت فيه قوى المجتمع المدني ووعي المواطن التونسي في أعقاب الكارثة التي هزت الوطن القبلي وتسابق التونسيين في جمع التبرعات، أن يدفع النخب السياسية المتناحرة الى الوقوف لحظة صدق أمام المرآة وتأمل حجم الخطايا المشتركة وما كبدته للتونسيين من ضياع للوقت واهدار للفرص والامكانيات ولكن أيضا من دفع للاحباط واليأس بسبب افلاس الخيارات السياسية وغياب رؤية مستقبلية مشتركة... طبعا ليس مهما ما بلغه حجم الاموال والتبرعات ولكن المهم أن تعود روح المواطنة الى المشهد وأن تعيد معها للتونسيين الوجه الآخر الذي افتقدوه لتونس ولمختلف فئاتها الشعبية وهي تتنافس في تقديم المساعدات كل حسب امكانياته لبلسمة جراح المنكوبين وتخفيف معاناة الاطفال والتلاميذ والمتضررين من الفيضانات الاخيرة والمساعدة في تجاوز المحنة التي شكلت اختبارا لاصحاب السلطة والذين والحق يقال لم يرتقوا في تعاملهم مع الحدث الى مستوى الخطر والى تطلعات المواطن الذي بات يعتقد أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة خذلته وتخلت عن شعارات ثورة العدالة والحرية والكرامة التي تتلاشى مع بدء العد التنازلي لدخول الثورة عامها الثامن على التوالي.. نقول هذا الكلام، ونحن نتطلع الى تقييم موضوعي يقطع مع ثقافة تحقيقات الهروب الى الامام التي لا يرى لها المواطن نتيجة تذكر، تحقيقات تكشف أسباب الفشل في استباق الخطر ورفع درجات التأهب والحذر الى جانب تحقيق جريء يحدد مسؤولية سلطات الاشراف في هشاشة البنية التحتية وانهيار طرقات وعدم صمود جسور وبناءات دشنت حديثا امام سيل الامطار الجارفة ويضع البلديات المنتخبة أمام مسؤولياتها ويحاسب كل من يثبت دوره في عقد صفقات مشبوهة أو اقترنت بالفساد.. والى أن يتحقق ذلك فان ازمة الثقة بين النخب الحاكمة وبين الرأي العام ستظل قائمة.. بل لعله من غير الاجحاف ونحن نعيش على وقع افتتاح سنة برلمانية يرجح لها أن تكون الاكثر اثارة للجدل، أن ينتبه من يفترض انهم ينوبون الشعب الذي منحهم ثقته ان يرتقوا الى حجم تحديات المرحلة وأن يكونوا خلال هذه الفترة النيابية المتبقية قبل انتخابات 2019 في حجم المسؤولية التاريخية التي ستلاحقهم وأن يستدركوا بالاستفادة من أخطاء الفترة المنقضية ويجنبوا البلاد مزيد الصراعات ويعجلوا بالمصادقة على المشاريع القانونية العالقة واستكمال المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها المحكمة الدستورية المؤجلة ورئاسة هيئة الانتخابات التي ينتظرها الكثير.. كل ذلك دون تجاهل تردد الكثير من النواب وقادة الاحزاب وبعض مسؤولي الحكومة في الامتثال للقانون والكشف عن ممتلكاتهم وثرواتهم ومصادر تمويل الاحزاب التي لا تزال تتكتم في هذا الشأن.. لقد أعاد المد التضامني للتونسيين الذي غاب في مناسبات سابقة خلال فيضانات مطماطة التي طمر خلالها المعتمد، احياء بعض الامل في النفوس بأن تونس ولادة وأن العقم الحاصل للنخب السياسية زائل لا محالة اذ لا يمكن لهذا البلد أن يعانق الرداءة والافلاس الى ما لا نهاية.. تماما كما أنه لا يمكن لحرب القصور ولا لصراع المواقع بين القصبة وقرطاج ومونبليزير أن يستمر في استنزاف البلاد بما يعني أنه بات لزاما على المتحكمين في المشهد السياسي بدءا بالشيخين الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وبينهما رئيس الحكومة يوسف الشاهد التوقف عن رفع معاول الهدم التي لا يرى التونسيون غيرها واستبدالها بمخططات ومشاريع البناء والتعجيل بوقف تحميل التحوير المستمر منذ اربعة أشهر والانتباه الى أن عدم الوفاء بالالتزامات مؤشر على انهيار المصداقية والثقة..