لا أحد اليوم مهما كان موقعه يعلم حجم الثمن الذي سيتعين على التونسي تحمله قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة في 2019، تماما كما أنه ليس من الواضح ان كان سيتعين على التونسيين تحمل تداعيات وماسي أداء النخب الحاكمة إلى ما لا نهاية... الواقع أنه ان الأوان للنخبة السياسية الحاكمة بعد أن سقطت في أغلب الاختبارات المصيرية في البلاد أن تختار بين العودة الى الصواب واستعادة الوعي المفقود وتتوقف عن سياسة الاستفزاز والتدمير الممنهج للبلاد والعباد أو أن تتوقع خروج التونسيين الى الشارع كما حدث قبل سبع سنوات للمطالبة بوضع حد لمهزلة طال أمدها بين القصبة وقرطاج وساحة محمد علي ومونبليزير.. طبعا الأمر لا يتعلق بالقفز على شرعية الصندوق وما أفرزته نتائج انتخابات 2014 ولكن الأمر يتعلق بضرورة الانتباه لكل الإشارات والرسائل الاستباقية التي ما انفكت تحذر من الأسوأ.. لقد سبق للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أن حذر التونسيين في سنوات الحصار والعزل الذي فرض عليه من أن أي خطر قد يهدد تونس لا يمكن أن يأتي من الخارج باعتبار أن الديبلوماسية التونسية التي عمل على إرسائها جعلت تونس منفتحة على كل شعوب العالم وبمنأى عن كل الصراعات الاقليمية والدولية التي يمكن أن تدفع بالبلاد الى مغامرات وصراعات غير محسومة، ولكنه خطر والكلام للزعيم بورقيبة يأتي من أبناء تونس ويمكن أن يدفع بهم الى الهلاك اذا غلبوا مصالحهم الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية.. وقد أضحت توقعات الرئيس بورقيبة واضحة للعيان أمام السقوط المدوي للطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب السياسية المتنافرة التي يبدو وكأنها عقدت العزم على تفادي كل ما يخدم تونس والانسياق بدافع الغباء الأعمى وعقلية الغنيمة وراء كل ما يمكن أن يدمر البلاد ويدفع بها الى الإفلاس... تونس اليوم ليست بخير، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. وبلادنا تقف اليوم على شفا الهاوية اذا استمر الوضع على حاله، بل انه يكفي التطلع الى ما تنقله الصحافة المحلية والدولية عن صراع الديكة والتنافس المقيت لا حول الأفكار والمشاريع والبرامج والمخططات المستقبلية بل التنافس على السلطة وإغراءاتها وما يمكن أن تؤول إليه في بلد لا تزال دروس نهاية بن علي الذي ساد لأكثر من ثلاثة وعشرين عاما عالقة في الاذهان لندرك تعقيدات المشهد وحيرة المواطن إزاء المستقبل الغامض.. وقد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأن الطبقة السياسية قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء المسموح بها في أي تجربة ديموقراطية ناشئة الى درجة بات الامر أشبه بالعبث الذي أرهق التونسيين وبدد بقية من حلم ولد كبيرا بعد 14 جانفي بما بات يدفع التونسي اليوم الى المقارنة بين مرحلة قبل الثورة وبين المرحلة الراهنة والى المجاهرة في أحيان كثيرة بالحنين الى الاستقرار والوضوح بشأن حاضر تونس ومستقبل الأجيال حتى بدا وكأن أصحاب السلطة في البلاد يتعمدون دفع المواطن التونسي الى تغليب منطق «شد مشومك» والتي لا يمكن الا أن تجعل البلاد في وضع الرهينة الواقعة على الدوام في قبضة الحاكم بأمره مؤمن الماء وضامن الاستقرار والغذاء والدواء حتى وان كان على حساب الكرامة والحرية والسيادة وكأنه قدر محتوم كتب على التونسي إلى ما لا نهاية... لا نريد استباق الاحداث ولا الوقوع في فخ التكهنات، ولكن وفي انتظار ما سيجود به علينا رئيس الدولة السيد الباجي قايد السبسي بعد طول غياب وصمت مريب خلال الساعات القادمة، فان مسؤوليتنا كمنبر اعلامي يعكس تطلعات الرأي العام التحذير مما قد تحمله الأيام القادمة من مخاطر في ظل استمرار لعبة الشد والجذب بين المنظمة الشغيلة وبين رئاسة الحكومة وما بقي من حزب نداء تونس الذي انفرط عقده ولن يكون بالإمكان إعادة نظمه.. ولاشك أيضا أن كل السيناروهات باتت محتملة مع غياب الحلول السياسية وتفاقم المشاغل والملفات العالقة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. لا خلاف أن ما يمكن أن يذهب اليه رئيس الدولة في الحوار المرتقب غدا يمكن أن يطفئ الازمة ويدفع الى مراجعة جذرية للمشهد كما يمكن أن يؤججها ويعجل بوقوع الانفجار المؤجل..