انتظرنا تكذيب الخبر أو على الاقل اعتباره قرارا مؤقتا لا نهائيا في انتظار استئناف صدور نشريات «دار الصياد» في لبنان و لكن لا شيء من ذلك حدث توقفت منذ الاثنين الماضي دار الصياد عن اصدار مطبوعاتها التي كانت تؤثث للمشهد الاعلامي اللبناني والعربي معلنة معها استمرار موجة التصحر والقحط في مجال الصحافة المكتوبة التي تودع أزهى مراحلها وتغرق في حالة من الاحتضار الذي يؤلم أهل القطاع ولكنه لا يحرك سواكن أصحاب القرار ودعاة الاصلاح والبناء لمشهد اعلامي جديد.. توقف مطبوعات دار الصياد اللبنانية التي نشأنا عليها نذير شؤم وسبب اضافي لتوقع الاسوإ في مجال الصحافة المكتوبة التي تعاني من شح التمويلات وتوقف الاشتراكات وغياب الاصلاحات بما يجعل القطاع بين المطرقة والسندان فلا هو قادر على الاصلاح الذاتي وتجاوز دائرة الافلاس الممنهج الذي يدفع اليه ولا هو قادر على مواجهة المنافسة الشرسة في زمن الصحافة الالكترونية التي تكتسح المشهد.. دار الصياد ليست عنوانا نكرة في مجال الصحافة العربية وهي التي مثلت رسالة جمعت المهنية والصحافة الراقية والذوق الرفيع طوال عقود ورافقت التحولات التاريخية المصيرية للعالم العربي والعقول والافكار في رحاب السلطة الرابعة.. وجمعت نخبة من ابرز الكتاب بينهم غسان كنفاني وهشام نصار ورفيق خوري وغيرهم كثيرون طالما اضاؤوا الدرب للاجيال الصاعدة بالكتابة والرسم الكاريكاتوري والابداع الفني في رحاب السلطة الرابعة تنطفئ اليوم وتغيب عن المشهد دون أن يحرك ذلك سواكن صناع القرار في لبنان وهم الذين صرفتهم ازماتهم السياسية المتعاقبة على الانتباه للقحط الذي يمتد في قطاع الصحافة المكتوبة وينذر بهدم آخر القلاع فيها.. ما يدعو اليوم للحديث عن النهاية المؤلمة لدار الصياد في لبنان وقبلها السفير اللبنانية والحياة اللندنية وعديد العناوين الصحفية الكبرى ماتاه واقع الصحافة الورقية في بلادنا وتعدد الازمات التي تنذر بانهيار وشيك للقطاع في غياب ما يبشر إلى وجود مبادرات او خطة اصلاح للصحافة الورقية التي تترنح بين تواتر الديون وشح الامكانيات بما يفاقم الغموض بشأن المستقبل ويدعو للتساؤل جديا عن مستقبل الصحافة المكتوبة في تونس التي تتجه الى طي السنة الثامنة من ثورة اقترنت بالكرامة والحرية والعدالة وانتصرت للحريات الخاصة والعامة وجعلت من حرية الرأي والتعبير تاجا لثورة شعبية أعادت للسلطة الرابعة عموما وللصحافة الورقية خصوصا بريقها ومكانتها التي لم يكتب لها ان تستمر طويلا لتشهد تراجعا خطيرا اقترن خاصة بغياب الارادة الجدية في الاصلاح وفي تهميش الكفاءات وهيمنة الانتهازية لتتحكم في المشهد وتعود به الى المربع الاول والى تلك الممارسات البغيضة التي ساهمت في تردي المشهد وانتشار ثقافة الابتذال فيه... قد لا يكون من المبالغة في شيء الاقرار بأن السيناريوهات التي انتهت باختفاء مطبوعات «دار الصياد» في لبنان تكاد تكتمل في تونس وتهيئ لتكرار مشهد نتمنى أن نعيش لنراه يتحقق... ولو أننا حاولنا رصد العناوين التي اختفت من الساحة الاعلامية خلال السنوات القليلة القادمة سنجدها مرعبة وهي تشمل عديد الصحف العريقية والعناوين التي ظهرت بعد الثورة واثثت لمشهد اعلامي لم يدم طويلاومنها الراي العام والصريح واخبار الجمهورية والمصور والفجر والاعلان فيما عناوين اخرى مهددة بالاندثار والتوقف عن الصدور بعد أن عجزت عن الصمود بسبب غياب الامكانيات وعدم القدرة على المنافسة.. في المقابل نجد صحفا ورقية «حزبية» تستمر في الصدور ولا أحد يعلم مصدرتمويلها وهي التي تصر على اعتماد خط تحريري يعادي دستور البلاد ويؤلب علنا ضد ما تضمنه من أحكام النظام الجمهوري والمساواة والحريات.. الواقع أن معاناة المشهد الاعلامي عموما والصحافة الورقية خصوصا في وضع لا تحسد عليه وهي التي لا تعرف ما يحمله الغد من مفاجآت على اعتبار أنه ليس سرا بالمرة أنه اذا توفر الاعلان غاب المشترك والعكس صحيح أيضا.. وهو واقع عليل زاده تعقيدا انصراف المسؤولين عن القطاع عن المشاغل والصعوبات الحقيقية التي تهدد القطاع وتسمم المناخ وتزرع الاحباط الى ما لا يساعد على النهوض بالقطاع ورفع راية التحدي نحو كسب معركة اعلام الجودة والاستثمار في تكوين وتهيئة الاجيال الصاعدة والاستجابة لتطلعات الراي العام والارتقاء بالذوق بعيدا عن ثقافة الاثارة والبوز والبحث عن النجاح السهل... نعم اغلاق»دار الصياد» في لبنان ليس حدثا عابرا ولا يمكن ان يكون كذلك الا لمن جهل قيمة الدار ومكانتها في المشهد الاعلامي والسياسي والثقافي اللبناني وهي الدار التي كانت تضيئ لبنان في احلك الفترات وفي زمن الحروب والصراعات وتحافظ على قيد الامل قائما بين اللبنانيين.. واغلاق مؤسسة في حجم دار الصياد يعني الانجراف الى التصحر الفكري والرداءة والتطبيع مع الافلاس، وهو صراحة ما لانريد له أن يتكرر في المشهد الاعلامي التونسي ولا أن يمتد الى اعرق المنابر الاعلامية فيها وبينها «دار الصباح» المصادرة التي سبقت في وجودها دولة الاستقلال واحتضنت ولادة الجيل المؤسس للاعلام في بلادنا على يد مؤسس «دار الصباح» الحبيب شيخ روحه وعميد الصحفيين الراحل الهادي العبيدي وكل الجيل المؤسس والاقلام الذهبية التي رافقته في تلك المعركة.. لسنا واهمين وندرك جيدا تعقيدات المرحلة وتحديات المشهد الاعلامي في بلادنا وما ينتظر الصحافة الورقية في تونس وفي العالم من خيارات مؤلمة وخيارات لا نريد مجرد تخيلها.. فغياب أي صحيفة عن المشهد بمثابة الاعدام في حق بريء.. في وداع «دار الصياد»، من حقنا أن نتساءل جديا هل يمكن التعويل على سلطة سياسية متناحرة فشلت حكوماتها المتعاقبة في انقاذ شوارعنا من القمامة التي تسمم حياتنا لانقاذ الصحافة الورقية من أزماتها وتجنيبها السيناريوهات والخيارات التي لا نريد تخيلها؟ يقول اللبنانيون إن «آخر الدواء الكي» ونحن لا نريد ان نقول «ما يلزك على المر كان إلي أمر منه»..