الرياض(وكالات) أكّدت الرياض للمرة الأولى فجر أمس ولأول مرة أنّ الصحافي السعودي جمال خاشقجي قُتل في قنصليتها بإسطنبول اثر وقوع شجار و"اشتباك بالأيدي" مع عدد من الأشخاص داخلها. وعلى الإثر، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن تفسيرات الرياض "جديرة بالثقة" معتبرا أنها "خطوة أولى مهمة". وبالتزامن مع الاعلان، أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري ومسؤولين آخرين في جهاز الاستخبارات، من مناصبهم، فيما ذكرت الرياض أنّها أوقفت 18 سعوديا على ذمة القضية. كما أمر الملك سلمان بإعفاء المستشار في الديوان الملكي برتبة وزير سعود القحطاني من منصبه. وقال ترامب معلقا على الإعلان السعودي "نحن لم ننته بعد من تقييمنا أو من التحقيق ولكنني أعتقد أنّها خطوة أولى مهمّة" مضيفا "نحن نجري تحقيقاً في الوقت الراهن. لدينا الكثير من الناس الذين يعملون على هذه القضية (…) ولدينا دول أخرى تعمل عليها. هذه مشكلة جدية للغاية". وبعدما توعد الخميس الماضي بردّ «قاس جدًا» على الرياض إذا ثبُتت مسؤوليتها في مقتل خاشقجي، قال ترامب ردا على سؤال صحافي عن احتمال فرض عقوبات على الرياض «الوقت ما زال مبكرا جدا للحديث عن هذا الأمر» مضيفا «إذا كان سيتم فرض شكل من أشكال العقوبة أو أمر قد نقرّر القيام به (…) فأنا أفضّل أن لا نقوم كإجراء عقابي بإلغاء أعمال بقيمة 110 مليارات دولار، ما يعني 600 ألف وظيفة»، في إشارة الى صفقة تسليح ضخمة أبرمتها الولاياتالمتحدة مع المملكة. وتعرّضت الرياض لضغوط دولية إثر اختفاء الصحافي السعودي بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 أكتوبر الحالي، في قضيّة دفعت بالعديد من المسؤولين ورجال الأعمال الغربيين إلى إلغاء مشاركتهم في مؤتمر اقتصادي مهمّ في الرياض الأسبوع المقبل. وقال مسؤولون في الأجهزة الأمنية التركية إنّ خاشقجي تعرّض للتعذيب وقتل داخل القنصلية على أيدي فريق سعودي جاء خصيصاً الى تركيا لاغتياله، بينما نفت الرياض أن تكون أصدرت أوامر بقتله. «شجار» ثم «وفاة»... ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن بيان رسمي أنّ "التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة أظهرت قيام المشتبه به بالتوجّه إلى إسطنبول لمقابلة المواطن جمال خاشقجي وذلك لظهور مؤشّرات تدلّ على إمكانية عودته للبلاد"، من دون أن تفصح عن هوية المشتبه به. وأضاف البيان "كشفت نتائج التحقيقات الأولية أنّ المناقشات التي تمّت مع المواطن جمال خاشقجي أثناء تواجده في قنصلية المملكة في إسطنبول من قبل المشتبه بهم لم تسر بالشكل المطلوب وتطوّرت بشكل سلبي أدّى إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي بين بعضهم وبين المواطن جمال خاشقجي، وتفاقم الأمر ممّا أدى إلى وفاته". وتابع أنّ هؤلاء حاولوا "التكتّم على ما حدث والتغطية على ذلك"، مشيراً الى أنّ "التحقيقات في هذه القضية مستمرة مع الموقوفين على ذمّتها والبالغ عددهم 18 شخصاً من الجنسية السعودية". وكانت المملكة أكّدت أن خاشقجي غادر مبنى القنصلية بعيد وقت قصير من دخوله، وسمحت لفريق تحقيق تركي بتفتيشه. كما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع وكالة بلومبرغ "ما أعرفه هو أنه دخل وخرج بعد دقائق قليلة أو ربما ساعة. أنا لست متأكّداً". ولم يتّضح من البيانات السعودية الرسمية التي حمّلت المسؤولية للمشتبه بهم وحدهم، مصير جثة الصحافي الذي كان يقيم في الولاياتالمتحدة ويكتب مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ينتقد فيها سياسات ولي العهد. وغادر خاشقجي السعودية في 2017 في خضمّ حملة توقيفات قادها ولي العهد وشملت كتّاباً ورجال دين وحقوقيين وأمراء وسياسيين. وعلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأن إعلان قتل خاشقجي يثير "اضطرابا عميقا" مؤكدا في بيان "على ضرورة إجراء تحقيق سريع ومعمّق وشفّاف في ظروف وفاة خاشقجي وعلى المحاسبة التامّة للمسؤولين عنه". سلسلة إجراءات سعودية أخرى وإلى جانب عسيري والقحطاني، شمل قرار الملك بإعفاء مسؤولين مساعد رئيس الاستخبارات العامة لشؤون الاستخبارات اللواء الطيار محمد بن صالح الرميح، ومساعد رئيس الاستخبارات العامة للموارد البشرية اللواء عبدالله بن خليفة الشايع، ومدير الإدارة العامة للأمن والحماية برئاسة الاستخبارات العامة اللواء رشاد بن حامد المحمادي. وأصدر العاهل السعودي أيضاً قراراً بتشكيل لجنة وزارية برئاسة الأمير محمد بن سلمان، لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات العامة وتحديد صلاحياته. وقالت وكالة الأنباء الرسمية «واس» إنّ القرار جاء بتوصية من ولي العهد على خلفية قضية خاشقجي. ويذكر أن عسيري مقرّب من ولي العهد ويحضر اجتماعاته مع المسؤولين الزائرين للمملكة، وكان يتولّى منصب المتحدّث الرسمي باسم التحالف العسكري الذي تقوده المملكة في اليمن. أما القحطاني فيعرف عنه هو أيضاً قربه من ولي العهد، وقد ظهر برفقته في صور مع ملوك ورؤساء نشرها على حسابه بتويتر حيث يكتب تغريدات غالباً ما تكون هجومية. أزمة دولية وقبيل تأكيد الرياض مقتل خاشقجي في قنصليتها، أعلنت الرئاسة التركية فجر أمس أنّ الرئيس رجب طيّب أردوغان اتّفق مع العاهل السعودي خلال مكالمة هاتفية على مواصلة التعاون الثنائي في التحقيق، في ثاني اتصال هاتفي بين الزعيمين حول هذه القضية. وقال مصدر في الرئاسة التركية طالباً عدم نشر اسمه إنّه خلال مكالمتهما الهاتفية التي جرت مساء أول أمس والتي أتت بعد مكالمة أولى بينهما جرت الأحد الماضي، شدّد الرئيس أردوغان والملك سلمان على "أهمية مواصلة العمل سوياً في تعاون تامّ". وأضاف المصدر إنّ الزعيمين تبادلا المعلومات حول التحقيقات التي يجريها بلداهما في قضية خاشقجي. وحذر وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو أول أمس بعد زيارة للرياض التقى خلالها العاهل السعودي وولي العهد، بأنّ لدى واشنطن "مروحة واسعة من الردود" المحتملة على السعودية إذا تبيّنت مسؤوليتها في اختفاء خاشقجي. وتابع بومبيو أن السعوديين "يتحمّلون المسؤولية ما دامت المسألة حصلت في القنصلية. ويتحمّلون بالتالي مسؤولية إلقاء الضوء على هذه المسألة". اللواء أحمد عسيري.. من حرب اليمن إلى جريمة اغتيال خاشقجي لم يكن اللواء أحمد عسيري يحظى بشهرة خارج المملكة العربية السعودية قبل الحرب في اليمن التي اندلعت في مارس 2015، لكنه سرعان ما نال شهرة كبيرة بعدما اختير متحدثا باسم التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وخلال العامين التاليين، عمل عسيري بالقرب من ولي العهد السعودي، عندما كان آنذاك وزير الدفاع ومهندس الحرب، قبل أن يترقي الرجلان إلى مناصب أعلى وأكثر تاثيرا. ويتحدث عسيري اللغتين الإنقليزية والفرنسية بطلاقة، ونجح الرجل في إبهار الصحفيين بقدرته على الدفاع عن المملكة ضد الاتهامات التي واجهتها بإلقاء القنابل دون تمييز على أهداف في اليمن. لكنه بدا وهو يفقد أعصابه خلال زيارة له في لندن في مارس الماضي عندما رشقه متظاهرون بالبيض قبل إلقائه كلمة في مؤتمر دولي. ويظهر مقطع فيديو للواقعة اللواء أحمد عسيري وهو يستدير ليواجه المحتجين بعد ضربه بالبيض، ويشير لهم بأصبعه الأوسط. وبعد ذلك بوقت قصير، عين عسيري نائبا لمدير المخابرات العامة السعودية. حياته العسكرية وكان التعيين في المنصب الجديد مكافأة للرجل الذي وصل إلى منصب بارز في التسلسل الوظيفي داخل الجيش السعودي بمرتبة الشرف. وذكرت وسائل إعلام سعودية أن اللواء عسيري نشأ في بلدة محايل في محافظة عسير جنوب غرب المملكة العربية السعودية. لكن صعوده في الحياة العسكرية كان له بعض الإنجازات الملحوظة في سجله المهني. وتقول تقارير إن اللواء عسيري تلقى دورات تدريبية في أكاديميات عسكرية غربية مرموقة، مثل «ساندهيرست» البريطانية و»ويست بوينت» الأمريكية و»سان سير» العسكرية في فرنسا. السقوط كان اللواء أحمد عسيري مسؤولا يتمتع بسلطة كافية لاتخاذ قرارات مهمة من تلقاء نفسه، لكن دوره في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي لا يزال يحيط به الغموض. وأصدر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أمرا بإعفاء عسيري من منصب نائب رئيس المخابرات. وتزامن ذلك مع إعلان النائب العام السعودي أن تحقيقات أولية أظهرت وفاة خاشقجي داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول، حسبما نقلت وسائل إعلام رسمية في السعودية. ووفقا لرواية واحدة أوردتها صحيفة ‹»نيويورك تايمز»، تقول تقارير إن عسيري تلقى تصريحا شفهيا من ولي العهد محمد بن سلمان باعتقال خاشقجي لاستجوابه في السعودية، لكنه إما أساء فهم تعليماته أو أنه تجاوز ذلك التصريح من الأمير باعتقاله. من هو سعود القحطاني الذي أعفاه الملك سلمان من منصبه؟ ولد سعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي الذي تم إعفاؤه بقرار من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أمس، في مدينة الرياض في 7 جوان عام 1978. وحصل على الثانوية العامة من معهد العاصمة بتقدير ممتاز، وبكالوريوس قانون من جامعة الملك سعود، وماجستير من جامعة نايف العربية تخصص عدالة جنائية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. كما حصل على دورة تأهيل الضباط الجامعيين في القوات الجوية بتقدير ممتاز. عمل القحطاني كمحاضر قانون في كلية الملك فيصل الجوية، ثم مديرا لشؤون الأفراد وشؤون الضباط بالكلية. وأصبح مستشارا قانونيا في سكرتارية ولي العهد عام 2003، ومديرا لدائرة الإعلام في سكرتارية ولي العهد عام 2004، ونائبا لمدير عام مركز الأرصاد الإعلامي في الديوان الملكي عام 2005. كما عمل مستشارا بمكتب نائب رئيس الديوان الملكي، ومديرا عاما لمركز الرصد والتحليل الإعلامي في الديوان الملكي، ومستشارا في الديوان الملكي بالمرتبة الممتازة، إضافة للمهام المُكلف بها. وتولى سعود القحطاني منصب المشرف العام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي، وكذلك منصب مستشار في الديوان الملكي بمرتبة وزير، بالإضافة للمهام الموكلة له. وأعفى العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، كلا من المستشار بالديوان الملكي في السعودية، سعود القحطاني، ونائب رئيس استخباراتها العامة، أحمد عسيري، من منصبيهما على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول. كما أمر الملك سلمان بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق. في مقابلة نشرت بعد تأكيد مقتله: خاشقجي انتقد ولي العهد ووصفه ب«الاستبدادي» واشنطن (وكالات) انتقد الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقابلة نشرت بعد تأكيد مقتله في قنصلية بلاده في إسطنبول حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واصفا إياه بأنه «استبدادي». وكان خاشقجي يتحدث في حوار خاص مع صحافية في مجلة «نيوزويك» الأمريكية كانت تعمل على موضوع يتعلق بالقيادة السعودية، أصر خاشقجي أنه ليس «معارضا» ولكنه يرغب في «سعودية أفضل». وقال «أنا لا أدعو للإطاحة بالنظام لأني أعرف أن هذا غير ممكن وخطير للغاية، ولا يوجد أحد ليطيح بالنظام». وتابع «أدعو فقط لإصلاح النظام». ووصف خاشقجي ولي العهد السعودي بأنه «زعيم قبلي من الطراز القديم» وبأنه بعيد عن واقع ومشاغل الفقراء من السعوديين. وأضاف «في بعض الأحيان أشعر.. أنه يرغب في حصد ثمار الحداثة في العالم الأول من وادي السيلكون وصالات السينما وكل شيء، ولكن في ذات الوقت، يريد أيضا في أن يحكم مثلما حكم جده في السعودية». وبحسب خاشقجي فإن الأمير محمد «لا يرى الناس. وعندما يرى الناس، فإن الإصلاح الفعلي سيبدأ». وانتقد خاشقجي أيضا ما وصفه بعدم وجود مستشارين مناسبين لولي العهد. وقال «أنه يتقدم باتجاه السعودية كما يراها هو، السعودية بالنسبة لمحمد بن سلمان فقط». ووصف خاشقجي مستشارين لولي العهد هما المستشار في الديوان الملكي برتبة وزير سعود القحطاني والذي أعفي من منصبه فجر أمس، ومسؤول كبير يدعى تركي آل الشيخ بأنهما «بلطجيان». وقال «الناس يخافونهما. في حال قمت بتحديهما، قد ينتهي الأمر بك في السجن، وهذا حصل». ووصف الصحافي السعودي القحطاني بأنه «أهم رجل في الإعلام» في الرياض، مشيرا إلى أنه يسيطر على أنشطة العلاقات العامة التابعة للحكومة. وفي مقابلته مع «نيوزويك»، أكد خاشقجي أن الضغوطات من المجتمع الدولي مهمة من أجل وضع ضوابط للنظام السعودي. وتابع «هذا أملنا الوحيد».