قال يوسف الشاهد رئيس الحكومة إن الحكومة لم تجد الدعم السياسي الضروري لكي تتقدم في الملفات التي طرحتها عند تسلمها لمهامها، وأكد أمس خلال الجلسة العامة البرلمانية المنعقدة بقصر باردو لمنح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد المقترحين، أن الحكومة لم تجد الدعم السياسي الضروري لكي تتقدم في الملفات التي طرحتها عند تسلمها لمهامها، وأنها لم تجد دعما للإصلاحات، ولم تجد دعما في محاربة الفساد ودعما في أغلب الملفات الكبرى التي اشتغلت عليها. وخصص الشاهد جانبا هاما من كلمته للحديث عن الازمة السياسية وفي هذا الصدد بين ان جميع التونسيين يدركون هذا الأمر وإنهم يعلمون أن الصراعات السياسية شوشت على عمل الحكومة، ومثلت قوة جذب الى الوراء بما تسبب في تعطل مسيرة الاصلاح، ومسيرة القيام بالإجراءات الضرورية لتحقيق التقدم الاقتصادي لتونس، كما انهم يعرفون ايضا ان الضجيج السياسي والارباك السياسي كانا من العوامل التي اثرت سلبيا على الوضع العام في البلاد سياسيا كان او اقتصاديا او اجتماعيا، الأمر الذي حال دون تحقيق نتائج أفضل على مختلف المستويات. وأضاف الشاهد أن الحكومة اشتغلت تحت قصف سياسي عشوائي، حيث كانت النيران الصديقة فيه أقوى من نيران المعارضة. وهو ما أربك عملها وخلق حالة من الضبابية غير الصحية في نظام ديمقراطي. وبين رئيس الحكومة انه لم يكن بالإمكان تواصل هذا الوضع لذلك قرر القيام بالتحوير الوزاري في هذا التوقيت، وهو ما من شأنه ان يضع نهاية للأزمة السياسية الراهنة، وللضبابية السائدة في المشهد السياسي، ويوضح من الذين هم مع الحكومة، ومن الذين يعارضونها، لأن أكبر جزء من الازمة السياسية هو عدم الوضوح. وفسر الشاهد سبب عدم الوضوح بوجود أطراف كانت تصنف نفسها في خانة الحكم، لكنها كانت في حقيقة الأمر تعمل ضد الحكومة، وهي لا تفوت أي فرصة لكي تعمل على ارباكها، والتشويش عليها، ويصح على هذه الاطراف حسب قوله مثل «قلوبهم معك وسيوفهم عليك». وتمسك الشاهد بأن التحوير الذي قام به تم في اطار احترام تام لدستور الجمهورية الثانية الذي لا يوجد فيه وزيرا اول بل رئيس حكومة يتمتع بصلاحية مطلقة في اختيار الوزراء وكتاب الدولة، طالما لم يتعلق الأمر بحقائب الخارجية والدفاع. وقال إن الاختلاف وارد ويحدث في الديمقراطيات، لكن لا بد ان تكون الحلول له داخل الاطر الدستورية وفي ظل احترام الدستور. واستحسن الشاهد التصريحات الاخيرة التي ادلى بها رئيس الجمهورية يوم الخميس الماضي والتي أكد فيها على علوية الدستور وعلى ضرورة احترام احكامه على اعتبار أنها المخرج الوحيد لأي أزمة سياسية. وفي مغازلة للرئيس، قال الشاهد انه لم يخطر بباله للحظة واحدة ان يسيء لرئيس الجمهورية أو أن ينتقص من الدور الذي يلعبه الرئيس في ظل النظام السياسي، وأكد أنه احرص ما يكون على تواصل التعاون بين الحكومة وبين رئيس الجمهورية من اجل خدمة المصلحة العليا للوطن. ووجه الشاهد رسالة مضمونة الوصول لمن وصفهم بالأناس الذي حاولوا ومازالوا يحاولون اثارة الفتنة واحداث قطيعة بينه وبين رئيس الجمهورية خدمة لمصالحهم الشخصية الضيقة، وقال لهم بكل حزم إنه لن يسمح بهذا الأمر، خاصة وانه اول واكثر من يعترف بالدور التاريخي للرئيس الباجي قائد السبسي في الانتقال الديمقراطي في تونس. وفي صفعة مدوية لقيادات حزب حركة نداء تونس وكتلته البرلمانية قال الشاهد انه في اطار سلوك غير مسؤول، هناك من وصف التحوير الوزاري بالانقلاب وهو يرد عليهم من تحت قبة البرلمان، التي شهدت اشغال مناقشة دستور الجمهورية الثانية ويجيبهم أمام ممثلي الشعب المنتخبين انه، خلافا لأناس آخرين، ديمقراطي ويؤمن بالديمقراطية ولا يحب الانقلابات ولا يقبلها سواء كانت انقلابات ناعمة او خشنة، وبين انه متمسك بدستور البلاد الذي نص في فصله الثالث على ان السلطة للشعب يمارسها عبر ممثليه المنتخبين. وأضاف الشاهد ان التونسيين ينتظرون من الحكومة والمعارضة ارجاع الامل الذي ولد مع ثورة الحرية والكرامة، الامل في نظام عادل وفي دولة عادلة يعيش فيها التونسيون مواطنين لا رعايا ويكونوا امنين على انفسهم وعلى عائلاتهم وأملاكهم مهما كانت آراءهم ومواقفهم من غير خوف. وعبر رئيس الحكومة عن اسفه لأن الامل تراجع في السنوات الاخيرة والثقة في الطبقة السياسية اهتزت بسبب الصراعات السياسية التي طغت على المشهد السياسي، وبين ان الدور الذي يجب على الجميع ان يلعبوه هو اعادة الامل في التونسيين في ان تونس موحدة. يوحدها الدستور والمصلحة الوطنية. أزمة سياسية حاول الشاهد منذ الوهلة الاولى في الكلمة التي القاها تحت قبة البرلمان ان يفسر للتونسيين طبيعة الازمة السياسية التي عاشتها البلاد طيلة الأشهر الماضية، وقبل الخوض في موضوع التحوير الحكومي قال ان الجميع يتحدثون عن ازمة حكومية، لكن الحقيقة مغايرة لذلك تماما، اذ توجد حسب تعبيره ازمة سياسية داخل جزء من الطبقة السياسية وقد ألقت هذه الازمة بضلالها على العمل الحكومي في الفترة الماضية. وبين أنه بذل مجهودا كبيرا طيلة هذه الفترة لكي يجنب البلاد والحكومة أكثر ما يمكن من الآثار السلبية للتجاذبات السياسية وسعى لكي تواصل الحكومة عملها بشكل طبيعي رغم الحجم الكبير للتجاذبات السياسية. وأكد انه فعل ذلك انطلاقا من قناعته بأن تونس في هذه المرحلة في حاجة إلى استقرار سياسي، يمكّن من مواصلة العمل الحكومي بشكل يسمح بتحقيق اهداف السياسات العمومية اللي انطلقت الحكومة في تنفيذها خاصة على المستوى الاقتصادي. واستدرك الشاهد قائلا إن رفضه التجاذبات الحادة لا يعني ان الحكومة فوق النقد، وبين انه كرجل ديمقراطي يقبل النقد ويدرك ان نجاعة عمل الحكومة يمكن ان تكون أفضل. تقييم موضوعي قال الشاهد انه ينتظر من الفاعلين السياسيين تقييما موضوعيا لأداء الحكومة، يقوم على معطيات وارقام تقارن بين الوضع الذي كانت عليه البلاد يوم منح الثقة للحكومة في أوت الفين وستة عشر والوضع الذي هي عليه اليوم. وبين ان نسبة العجز المتوقع يوم خطاب منح الثقة كانت في حدود 7 فاصل 4 بالمائة وهي نسبة ما كانت ستسمح للاقتصاد الوطني بالصمود لأنه لم يكن قادرا على تمويل العجز لا من السوق الداخلية ولا من الاسواق المالية الخارجية وكانت هذه النسبة مؤشرا على الخطر الذي يداهم الاقتصاد الوطني. واضافة الى العجز فان الصناديق الاجتماعية كانت في ازمة بسبب غياب الاصلاحات وتراكم العجز لسنوات، ولم تكن الحكومة المسؤولة عنه، ونفس الشيء ليست هي المسؤولة عن تدهور الوضع المالي للمؤسسات العمومية.. وقال انه بعد ان قبل مسؤولية رئاسة الحكومة كان يدرك حجم الصعوبات التي تواجهها البلاد ويدرك انه لا يمكن تجاوزها في وقت قصير ولهذا السبب تعهد في خطاب منح الثقة بأنه في أفق سنة 2020 ستكون المؤشرات الاقتصادية قد أخذت طريقها نحو اللون الأخضر، وذكر الشاهد النواب انه لم يقل يومها ان تونس بعد سنة او سنتين ستصبح جنة لان الرؤية كانت واضحة ولان البلاد كانت تعاني من اختلال كبير على مستوى المالية العمومية ومن تعطل شبه كلي لعجلة النمو الاقتصادي. وبين انه كان من الضروري خلال الفترة الماضية إعطاء الأولوية لانعاش الاقتصاد من خلال عودة النمو والاستثمار من جهة، وإعادة التوازن للمؤشرات الاقتصادية الكبرى من خلال العمل أساسا على تعافي المالية العمومية من جهة اخرى. وبعد سنتين من منح الثقة تحسنت على حد قول الشاهد أرقام الاستثمار والتصدير وعديد القطاعات مثل الصناعات الميكانيكية والكهربائية، والنسيج، والفلاحة كما تحسن القطاع السياحي وعرف انتعاشة استثنائية سنة 2018 وتحسنت محركات الاقتصاد وهو ما ادى الى بلوغ نسبة نمو في حدود 2 فاصل 5 بالمائة في الثلاثي الأول، و2 فاصل 8 في الثلاثي الثاني من السنة الجارية. وبين انه لولا الارباك السياسي الذي اثر على البلاد، لكانت نسبة النمو افضل. وقال ان الحكومة ركزت في عملها ايضا على تعافي المالية العمومية كشرط أساسي وجوهري من شروط إنتعاشة الاقتصاد الوطني. وبين انه وجد نسبة العجز في صائفة 2016 في حدود 7 فاصل 4 ومن المتوقع ان تتقلص مع نهاية السنة الجارية الى 4 فاصل 9 بالمائة بفضل الاجراءات اللي تم اتخاذها في قوانين المالية لسنتي 2017 و 2018. وأشار الى ان الحكومة ستواصل العمل على مزيد التحكم في العجز العمومي وهي من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2019 تتطلع الى بلوغ نسبة عجز ب 3 فاصل 9 بالمائة وعند ذلك يمكنه ان يقول ان المالية العمومية تعافت او بدأت تتعافى وهو ما سينعكس ايجابيا على التضخم وعلى الترقيم السيادي لتونس وعلى باقي المؤشرات الاقتصادية الأخرى في أفق 2020.