أغلق أول أمس ملف التحوير الوزاري الأكثر إثارة للجدل مقارنة بالتحويرات السابقة على امتداد الحكومات المتعاقبة ورغم مقاطعة كتلة النداء للتصويت إلا أنه وكما كان متوقعا مرت تشكيلة الوزراء الجديدة ب«حبكة» محكمة من التحالف الجديد بين كتلتي النهضة والائتلاف الوطني ورئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي «انتصر» وسجل نقاطا ثمينة لحسابه في صراعه مع إخوته الأعداء صلب النداء. وبأداء اليمين أمام رئيس الجمهورية -الذي استبق الجميع وأعلن أنه لن يعطل مسار الدولة رغم عدم موافقته وامتعاضه- وتسلم الوزراء الجدد مهامهم في غضون اليومين القادمين على اقصى تقدير، ستمر حكومة الشاهد لإدارة ما تبقى من العهدة الانتخابية الحالية. واستنادا لما جاء على لسان رئيس الحكومة في كلمته أمام البرلمان خلال جلسة منع الثقة عندما تحدث عن معوقات كبلت الحكومة السابقة مشيرا بالاساس إلى التشويش والارباك السياسي والقصف العشوائي، تبدو حكومة الشاهد عمليا مؤهلة اليوم للعمل بعيدا عن الضغوط وكما سوق لها مناصروها ستعمل على تنفيذ الإصلاحات للنهوض بالوضع الاقتصادي والإجتماعي المتردي. لكن قد يتساءل البعض هل سينصرف رئيس الحكومة، وهو الذي يستعد لطرح مشروعه وحزبه السياسي، كليا للعمل الحكومي الصرف لتحسين الأوضاع المعيشية للتونسيين؟ وإن حصل ذلك فعلا ماذا عن هامش الإنجاز الممكن في سنة فقط قبل موعد الانتخابات وهي قطعا لن تخلو من جولات أخرى من الصراعات والحسابات في علاقة بالاستحقاقات القادمة؟ قطعا لن يستقيم الحديث عن تحرر الشاهد من القيود وانصرافه كليا للعمل الحكومي والانكباب على معالجة الملفات الحارقة والمتراكمة بل والمعقدة اقتصاديا واجتماعيا بفعل العوامل الداخلية والخارحية. فأساس التحوير وطبيعة التحالف الجديد بنيت على أرضية تفاهمات وحلقات مترابطة استعدادا وتحضيرا لما بعد 2019. وعلى هذا الأساس سيواصل الشاهد العمل على استكمال بقية جولات مشروعه المتماهي طبعا مع مشروع مشترك يضم حلفاءه الجدد. ومن هذا المنطلق يعتبر المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي في حديثه ل»الصباح» أن مسألة تحرر الشاهد من القيود تبقى نسبية «فلا ربما هو تحرر من حلفائه القدم في النداء في ظل أزمة عميقة ومتعددة الأبعاد يعيشها الحزب وانتصر في المعركة لصالح شخصه بالإعتماد على رموز وكتل جديدة». لكن ينفي محدثنا أن يكون الشاهد قد حسم المسألة لأن المعركة في تقديره مازالت متواصلة مع مجموعات أخرى على غرار المعارضة ممثلة في الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي وآخرين لا تبدو احترازاتهم على الشاهد شخصية بقدر ما هي على اساس مبادرات وتصورات . المشروع السياسي للشاهد سيأخذ ايضا دون شك المشروع السياسي الجديد للشاهد حيزا من جهده واهتمامه ومن فريقه والدوائر المقربة منه على حساب العمل الحكومي لا سيما وأن الحديث عنه أصبح علنا اليوم. وقد كشفت أمس النائبة عن كتلة الائتلاف الوطني بمجلس نواب الشعب ليلى الشتاوي عن بعض كواليس الإعداد للمشروع السياسي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد التى أكدت انه انطلق منذ سنة وسيتم الاعلان رسميا عن تاسيس الحزب الجديد في غضون ثلاثة أو أربعة أسابيع، مشيرة إلى عقد عدة اجتماعات لتحديد توجهات الحزب واختياراته وأن هناك العديد من الشخصيات التي ستلتحق به. من جهته أكد عبد اللطيف الحناشي على وجود طموح سياسي شخصي للشاهد، فهو ماضي في تحقيقه مع ولادة حزب جديد سيعمل على تحقيق التوازن المطلوب على الساحة السياسية كالذي وفره النداء سابقا . ويعتقد محدثنا أن طموح الشاهد ليس رئاسة الجمهورية كما سوق البعض إلى ذلك في مرحلة ما بل عينه على رئاسة الحكومة ما بعد 2019 في إطار تفاهم ضمني مع النهضة والإئتلاف الوطني ساعدت أطراف خارجية على بلورته وستكون النهضة بمقتضاه على رأس السلطة التشريعية مع الاتفاق على شخصية أخرى لترشيحها لمنصب رئيس الدولة. تحدي العمل الحكومي أمام الحسابات الانتخابية والمشاريع السياسية الخاصة ومواجهة المعارضة لن يكون العمل الحكومي أولوية الأوليات للشاهد وفريقه وإن سعى رئيس الحكومة للتسويق إلى ذلك في خطابه أمام البرلمان، وإن شددت ايضا عديد الأطراف على دعوة الحكومة الحالية للانكباب على معالجة الملفات الحارقة على غرار ما تضمنه بيان الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية اثر منح الثقة للحكومة الجديدة من تأكيد على «أهمية الفترة المقبلة بالنسبة للبلاد وما تستوجبه من تركيز على الملفات الحيوية وخاصة الاقتصادية والاجتماعية منها، وتحريك الملفات العالقة والتحلي بالجرأة والشجاعة لاتخاذ القرارات المناسبة التي يتطلبها الظرف وتمليها المصلحة العامة للبلاد»، وفق ما جاء في نص البيان. ويعتبر الكثير من الملاحظين والمحليين الإقتصاديين أن هامش تحرك الحكومة الحالية يبقى ضعيفا في إيجاد الحلول المطلوبة بالنظر لثقل الملفات وعمق الأزمة التى يستحيل الحديث فيها عن انجازات كبيرة ممكنة في ظرف سنة وفي أجواء تحضير للانتخابات القادمة. من هؤلاء الخبير الإقتصادي عز الدين سعيدان الذي أكد في تصريح ل «الصباح» أن اصلاح الأوضاع الحالية يتطلب 5 سنوات على الأقل ما يجعل الحديث عن اصلاحات في ظرف سنة أو المطالبة بالجرأة والشجاعة في القرارات لا معنى له. ويعتقد سعيدان أن أقصى ما تستطيع تقديمه حكومة الشاهد الجديدة إن توفر المناح الملائم هو الدخول في عملية الإصلاح على مستويين اثنين الأول يشمل التشخيص المكتوب والمعلن للوضع الإقتصادي والمالي والثاني يتطلب المرور إلى برنامج إصلاح هيكلي. وإلى جانب الشروع فقط في عملية الإصلاح دون توقع الكثير في تحسين مستوى عيش التونسيين قد يقتصر دور الحكومة الجديدة - وهي مطالبة بذلك - في حسم ملفات أخرى عالقة على غرار المحكمة الدستورية وهيئة الانتخابات لتهيئة المناخ والظروف الملائمة لاجراء الانتخابات القادمة، ولعل حكومة الشاهد الجديدة لن تختلف كثيرا عن حكومة ما قبل 2014 أي حكومة انتخابات مع اختلاف بسيط في مصير رئيس الحكومة حيث يبدو أن مستقبل الشاهد اليوم لن يكون مشابها لمهدي جمعة، لأن الرجل استفاد جيدا من تجارب أسلافه بمن فيهم جمعة والحبيب الصيد.