بعد مسار طويل من التحضير والإعداد أخذ أكثر من 5 سنوات، يرى أخيرا مجلس الحوار الاجتماعي النور رسميا بعد استكمال كافة مراحل الإطار القانوني والتشريعي والاستعدادات الإدارية والترتيبية، إذ تنعقد اليوم الثلاثاء الجلسة التأسيسية للمجلس بإشراف رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومشاركة المنظمات الوطنية ممثلة في الإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وبحضور ممثل عن منظمة العمل الدولية. وتنعقد الجلسة التأسيسية لمجلس الحوار الاجتماعي وسط جدل وانتقادات حادة من قبل منظمات تمثل الأعراف والشغالين والفلاحين نددت فيها بما وصفته «إقصاؤها» من تمثيلية المجلس نظرا لاعتماد المشرع لصيغة التمثيلية القطاعية عوضا عن التمثيلية النسبية. وصدرت هذه الانتقادات خاصة عن كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية «كوناكت» التي تحل في مرتبة ثانية بعد اتحاد الصناعة والتجارة من حيث تمثيلية الأعراف ورجال الأعمال والتجار، ونقابة الفلاحين، والمنظمة التونسية للشغل. وكانت «كوناكت» قد أصدرت مؤخرا بيانا جددت فيه تنديدها بعملية إقصائها من المجلس رافضة اعتماد قاعدة التمثيلية القطاعية كأساس لقبول العضوية، داعية إلى تعديل القانون المنظم للمجلس في اتجاه اعتماد قاعدة النسبية التمثلية حتى يتم إعطاء فرصة لجميع المنظمات مهما كان حجمها في التواجد بمجلس الحوار الاجتماعي والتعبير عن رأيها داخله.. وقد اعتبر طارق الشريف رئيس كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية بمناسبة انعقاد مؤتمر المنظمة الأسبوع قبل الماضي بالعاصمة ان اقصاء «كونكت» من تركيبة المجلس الوطني للحوار الاجتماعي لا يخدم مصلحة تونس. وقال ان «صياغة القانون المتعلق بإحداث المجلس خيبت الآمال باعتبار أنها لن تؤدي إلى تطوير الحوار الاجتماعي بل إلى مأسسة الاقصاء والانفراد بالرأي بتشبث منظمة نقابية واحدة وبدعم من وزارة الشؤون الاجتماعية باعتماد مبدإ المنظمات الأكثر تمثيلية على المستوى الوطني للمشاركة في المجلس عوضا عن النسبية التي تضمن الديمومة والنجاعة في إطار مبادئ التشاركية والتوافق». بدورها أعلنت النقابة التونسية للفلاحين على لسان رئيسها كريم داود خلال كلمة بالمؤتمر الثاني لكنفدرالية المؤسسات المواطنة (كوناكت) المنعقد بتاريخ 14 نوفمبر 2018 رفع قضية لدى المحكمة الإدارية ضد الحكومة بسبب ما اعتبره «إقصاء مارسه ضدهم الطرف الحكومي وتغييبهم من مجلس الحوار الاجتماعي ومحاولات العودة إلى الاحتكار النقابي والتمثيل الأوحد». ودعا داود الحكومة إلى مراجعة قراراتها واحترام الاتفاقيات الدولية وما نص عليه الدستور. وسبق أيضا ان دعا الأمين العام للكنفدرالية العامة التونسية للشغل حبيب قيزة في نفس التاريخ منظمة «كوناكت» ونقابة الفلاحين إلى التوحد من أجل مهمة وصفها ب»الأساسية والعاجلة» وهي فرض حقهم في المشاركة في المجلس الاجتماعي. واعتبر أنه لا معنى للتعددية التي نص عليها الدستور ما لم يكونوا أعضاء في مجلس الحوار الإجتماعي. منظمة العمل الدولية حسمت أمر التمثيلية تجدر الإشارة إلى أن وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي كان قد أوضح في تصريحات إعلامية سابقة أن الوزارة عرضت على كافة الاطراف النقابية مقترحات بخصوص كيفية اختيار المقاييس لتحديد النسبة الدنيا من التمثيلية، إضافة إلى مقاييس التمثيلية على المستوى الوطني والتمثيلية على مستوى القطاع والتمثيلية على مستوى المؤسسات. كما ذكر في معرض رده على تساؤلات النواب بمناسبة مناقشة مشروع القانون المنظم للمجلس، بأن المشرع التونسي حسم الأمر في قضية التمثيلية، كما أن منظمة العمل الدولية وبناء على المقاييس التي تعتمدها تنزع للنقابة الأكثر تمثيلا. وأضاف أن وزارة الشؤون الاجتماعية لديها معطيات عن النقابات جمعتها من تصاريح النقابات نفسها وستأخذها بعين الاعتبار عند وضع المقاييس. مقاييس يؤخذ فيها بعين الاعتبار عدد المنخرطين ومدى الانتشار الجغرافي والقطاعي وعدد الاتفاقيات المبرمة مع الطرف الآخر واستقلالية التنظيم وشفافية تصرفه المالي وموارده المالية وتأثيره في المجتمع، داعيا الى عدم الخلط بين تأسيس نقابة وأن تكون النقابة طرفا اجتماعيا. وذكر ان الدول الديمقراطية فرقت بين الامرين اذ لا يكفي الاعلام بتأسيس نقابة حتى تكون النقابة طرفا اجتماعيا، لكن من حق الجميع أن يكوّنوا نقابات. وخلص الوزير إلى التأكيد على اهمية إحداث مجلس الحوار الاجتماعي. ملفات حارقة في الانتظار يذكر أن الجلسة التأسيسية التي تنظمها وزارة الشؤون الإجتماعية سيتم خلالها استعراض مراحل إحداث المجلس الوطني للحوار الإجتماعي وعقد الجلسة الإجرائية العامة الأولى للمجلس. ومن غير المستبعد ان يناقش المجلس في أولى جلساته ملف المفاوضات الاجتماعية والزيادة في الأجور في قطاع الوظيفة العمومية الذي ما يزال عالقا بعد أن فشلت جلسات التفاوض بين الحكومة واتحاد الشغل السابقة وتنفيذ الاتحاد لإضراب عام وطني ناجح في الوظيفة العمومية يوم الخميس 22 نوفمبر 2018، اضافة إلى ملفات اخرى حارقة تهم أصحاب المؤسسات وأيضا الفلاحين، على غرار الزيادة الأخيرة في تعريفة الكهرباء للصناعيين التي استهجنتها منظمة الأعراف، ومسائل أخرى تهم الفلاحين (المديونية، التعويض، الدعم ..). ويندرج إحداث المجلس الوطني للحوار الإجتماعي في إطار تجسيم بنود العقد الإجتماعي الممضى بتاريخ 14 جانفي 2013 بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية. ويتولى المجلس تنظيم وإدارة الحوار الإجتماعي في المسائل الإجتماعية والإقتصادية التي تحظى باهتمام الأطراف الإجتماعية الثلاثة في إطار يضمن استمرار الحوار وانتظامه. وهو يتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية وتلحق ميزانيته ترتيبيا بالميزانية العامة للدولة وتكون تابعة لميزانية وزارة الشؤون الإجتماعية. وينص القانون المتعلق باحداث المجلس الوطني للحوار الإجتماعي وضبط مشمولاته وكيفية تسييره، الذي صادق عليه البرلمان في جويلية 2017 على إحداث مجلس ذي صبغة استشارية يسمى «المجلس الوطني للحوار الاجتماعي» ويتمتع هذا المجلس بالاستقلالية المالية والادارية. ويهدف المجلس لتحقيق الإستقرار الاجتماعي وتنمية تنافسيّة الإقتصاد وإرساء مُقوّمات الحوار والتشاركيّة الفعليّة بين الأطراف الإجتماعية في التّعاطي مع ملفّات التشغيل والتّكوين المهني والتنمية والنّمو الاقتصادي والحماية الإجتماعية والعلاقات الشّغليّة والعمل اللّائق، وذلك عن طريق ضمان حوار اجتماعي ثلاثي فعال حول المسائل ذات الاهتمام المشترك وإبداء الرأي في مشاريع الاصلاحات المقدمة من قبل الحكومة في المجال الاقتصادي اضافة الى انجاز دراسات في المسائل التي هي من مشمولات نظره وتأطير المفاوضات الاجتماعية. أوامر ترتيبية كما صدر في الرائد الرسمي أمران حكوميان يتعلقان بإرساء مجلس الحوار الاجتماعي الأول عدد 675 لسنة 2018 مؤرخ في 7 أوت 2018 يتعلق بالتنظيم الإداري والمالي للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي. والثاني، الأمر عدد 676 المؤرخ في 7 اوت 2018 الذي ضبط عدد أعضاء المجلس الوطني للحوار الاجتماعي. ويتركب المجلس الوطني للحوار الاجتماعي من: 35 عضوا ممثلين للحكومة، (ممثلين عن وزرات، وعن الصناديق الاجتماعية، المديرون العامون لديوان التونسيين بالخارج، وكالة التشغيل، وكالة التكوين المهني، المعهد الوطني للإحصاء، المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية، رئيس الهيئة العامة لتفقد الشغل وإدارة نزاعات العمل، المدير العام للشغل، المدير العام لتفقدية الشغل والمصالحة، مدير عام الضمان الاجتماعي، مدير العام الوظيفة العمومية، مدير عام وحدة تنظيم المؤسسات والمنشآت العمومية). 35 عضوا ممثلين لمنظمة العمال الأكثر تمثيلا. 30 عضوا ممثلين لمنظمة أصحاب العمل الأكثر تمثيلا في القطاع غير الفلاحي. 5 أعضاء ممثلين لمنظمة أصحاب العمل الأكثر تمثيلا في القطاع الفلاحي.