أصدرت الزميلة آسيا العتروس مؤخرا عن دار نشر «تبر الزمان» كتابا ضمنته عصارة تجربتها في «دار الصباح» وهي تجربة طويلة تجاوزت ربع قرن شهدت فيها على عدة مراحل من تاريخ هذه المؤسسة الإعلامية العريقة التي مرت في السنوات الأخيرة بصعوبات وتقلبات بسبب انتقال ملكيتها من ورثة العميد المؤسس الحبيب شيخ روحه إلى صهر الرئيس السابق صخر الماطري (أغلبية الأسهم) ثم تحولها إلى مؤسسة مصادرة بعد الثورة. ويمكن القول إن الزميلة آسيا العتروس وهي صحفية برتبة رئيس تحرير أول ومهتمة بالشؤون الدولية ومحررة لافتتاحية الصحيفة قد ألفت كتابها بمشاعر يختلط فيها شعور الاعتزاز بالانتماء إلى مؤسسة عريقة ذات تاريخ حافل بشيء من التخوف من المستقبل لا سيما بعد الصعوبات التي مرت بها الصحيفة في السنوات الأخيرة. وتعود تخوفات الكاتبة من أن تفقد «الصباح» بريقها أو موقعها في المشهد الإعلامي لغياب مؤشرات تؤكد إرادة الدولة المالكة لأغلبية الأسهم في المؤسسة في الحفاظ على هذه المؤسسة وفي مستوى معين، ذلك أن «الصباح» تبقى وهذا قدرها، المحرار الذي يمكن أن نقيس به مدى تشيع التونسيين فعلا لحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام. وفي الوقت الذي كرمت فيه الكاتبة الآباء المؤسسين على غرار الراحلين الحبيب شيخ روحه ورفيق دربه الهادي العبيدي والعديد من القامات الإعلامية التي صنعت مجد «دار الصباح» ومنهم من تقاعدوا ومنهم من غادروا هذه الحياة ومنهم من مازال يواصل رسالته، وقد خصت الراحل محمد قلبي صاحب اللمحة الشهيرة بمساحة مميزة فإنها اعتبرت أن واقع الجريدة يوحي بإمكانية أن تنحرف عن الخط أو الميثاق الذي سطره الآباء المؤسسون ل«دار الصباح» والذي مكنها من أن تتحول إلى منارة إعلامية حقيقية وإلى مدرسة في الصحافة والإعلام حتى قبل بعث معهد الصحافة وعلوم الإخبار وفق وصفها. وقد أكدت الزميلة آسيا العتروس التي تعتبر شاهدة على العصر على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة (انضمت إلى أسرة «الصباح» سنة 1990) وجود مؤشرات تؤكد أن «الصباح» وإن كانت تتخبط منذ فترة في أزمة مالية وتواجه صعوبات ومشاكل في التسيير، كبّلت المؤسسة وحالت دون أن تحقق نقلة نوعية في المشهد الإعلامي، فإنه يمكن وبمجرد أن تتوفر الإرادة الحقيقية في الإصلاح أن تعود المؤسسة إلى مجدها السابق وذلك خدمة للقراء الأوفياء لصحف الدار وخدمة للعاملين بالمؤسسة وللجيل القادم بالخصوص. وقد اعترفت الكاتبة عبر صفحات الكتاب (وعددها 294 صفحة) أن الإعلام عموما لم يكن في مستوى انتظارات التونسيين بعد الثورة وذلك رغم أن المكسب الوحيد الذي تأتى بفضل الثورة وبالإجماع هو حرية التعبير. ونادت بضرورة الإسراع بعملية الإصلاح حتى يكون الإعلام فعلا السلطة الرابعة وحتى يضطلع بدوره في المجتمع ويؤدي رسالته على أكمل وجه، معتبرة أن محاولات السلطات في العودة عن مكسب حرية التعبير وحرية الإعلام ورغبتها في السيطرة على المشهد وحتى العودة إلى ممارسات الماضي لا ينبغي أن تثني الإعلاميين والمتشيعين لحرية التعبير عن المضي في سعيهم من أجل جعل السلطة الرابعة سلطة قائمة فعلا. وتجدر الإشارة إلى أن المؤرخ عبد الجليل التميمي تولى تقديم الكتاب مثنيا على تجربة الزميلة آسيا العتروس ومشجعا الإعلاميين على كتابة مذكراتهم كما ضم الكتاب تصديرا للأستاذ الشاذلي القليبي فيه تنويه وتشجيع للكاتبة. وينتظر أن تنتظم حصص توقيع واحتفاء بالكتاب الذي يبقى أهم ما فيه أنه ذكّر بأن «الصباح» ليست مجرد مؤسسة إعلامية عريقة فحسب على أهمية ذلك، وإنما هي مدرسة وثقافة ومهنة وأخلاق. وستكون لنا عودة للموضوع.