*تداعيات معقدة ومركبة وحالات النكوص متعددة الأوجه * تحليل عميق لمرجعيات ولتطورات ومراجعات الإصلاحات الدينية للاستفادة من التراث الإصلاحي * مدى نجاح حوار الأديان في التقريب بينها وصد الأطروحات المعمقة للخلافات؟ الحمامات - الصباح افتتح الدكتور مهدي مبروك رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس صباح أمس اشغال الندوة العلمية الدولية «الإصلاح الديني، الديمقراطية المسيحية والإسلام السياسي: سجالات، مقارنات، استشراف حالات ما بعد الربيع العربي» التي تتواصل اشغالها كامل اليوم السبت 1 ديسمبر 2018. وقد حضرها خبراء ومختصون وطلبة وشارك في محاضراتها ثلة من الجامعيين والباحثين من خارج الوطن ومن داخله ومن النشطاء المدنيين والحزبيين في تونس. وتعود فكرة تنظيم هذه الندوة لعامين تقريبا وذلك بمناسبة مرور خمسة قرون على الإصلاحات الدينية التي عرفتها أوروبا وهي إصلاحات كانت لها تداعيات مهمة معقدة ومركبة لا زالت آثارها جارية الى حد الآن بعد ان غيرت تقريبا وجه قسمات العالم وملامحه تحدث عنها رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس فقال: «...بقطع النظر عن مخاطر المقارنة وطمس السياقات فإن بلاد الإسلام بدورها قد شهدت مند أواخر القرن التاسع عشر تجارب اصلاحية اطلق عليها طورا عصر النهضة العربية وطورا آخر حركات الاحياء السلامي التي كانت مآلاتها في الكثير من الأحيان مثيرة للخيبة خصوصا اذا ما استحضرنا حالات النكوص المتعددة وصعود العنف وتواصل اشكال الاستبداد التي نبه اليها مفكرو ومصلحو تلك المرحلة». أحزاب ديمقراطية مسيحية اجتهدت داخل الفكر المسيحي تم خلال هذه الندوة استحضار بعض التجارب التي جرت ولا زالت في أوروبا تحديدا خصوصا بعض تجارب الأحزاب الديمقراطية المسيحية التي استطاعت ان تجتهد من داخل الفكر المسيحي ومقارنتها مع حركات الاسلام السياسي، ورأى الدكتور مهدي مبروك انه رغم مخاطر المقارنة قد يكون مفيدا وربما ملهما - خصوصا في ظل الصعود اللافت للحركات الاسلامية على اثر انطلاق ثورات الربيع العربي وتحملها مسؤولية الحكم في بعض البلدان ومساهمتها فيه في بلدان اخرى وظهور مشاريع ومبادرات سياسية داخل بعض الحركات الاخرى - السعي لمصالحة قيم الديموقراطية والحداثة السياسية رغم ترددها وإغفالها أحيانا الشروط المعرفية والفكرية التي تدعم هذه التوجهات حتى تجعله اجتهادا راسخا في الفكر والممارسة السياسية لهذه الحركات خصوصا في ظل ما بدا على البعض منها من ارتباك حين تواجه قضايا من مثل حرية الضمير والحريات الفردية ومسائل الأحول الشخصية على حرية الضمير المساواة في الارث، وعلاقة الفرد بجسده الخ كما هو الحال في تونس مثلا. وأكد المبروك على ان الورقات العلمية التي تقدم في الندوة لا تسعى لعرض وصفات في التحديث ولكنها تحلل بعمق المرجعيات والتطورات وحتى المراجعات من أجل الاستفادة من تراث اصلاحي متعدد الأسس والسياقات قاد احيانا الى تجارب تحديثية لا زالت جارية ومراجعات فكرية عميقة في العديد من القضايا (قضايا العلمانية، حرية الضمير، الفردانية.. حرية الجسد) خلنا انها استقرت بشكل نهائي في الحداثة. وقد مهد الدكتور منير كشو لموضوع الندوة بحديث عن المراجعات الراهنة للعلمانية واستتباعاتها على علاقة الديني بالسياسي. ووضع العلمنة والعلمانية في سياقاتها التاريخية وفي الفلسفة السياسية الحديثة والممارسات السياسية التي شهدتها بعض الدول ووضع منير كشو الحضور امام اشكال «ما علاقة الدين بالدولة وبالسياسة؟». موضوع الندوة كان قيما وشائكا وقد تناولت جلسته الاولى محور الاصلاح الديني في المسيحية والإسلام وطرح خلاله النمساوي ستيفين هامر سؤال: هل يمكننا ان ننشئ ضربا من الوفاق الديمقراطي من اجل خلق مجموعة دينية سياسية يمكن تدعيمها دون ان نحس بالخوف من ان تظل طريقها وتسيء الى المجتمع؟ ولاحظ وجود اشكال كبير في العقيدة الكاثوليكية وتأويلها داخل الفلسفة الكاثوليكية نفسها. وركز الباحث السينغالي سيادي دياميل نيان في مداخلته عن الاسلام في السينغال وما شهده من محاولات اصلاح وتحديث للخطاب للابتعاد عن ربط الدين الاسلامي بكرامات الاولياء الصالحين والزوايا من ناحية وللحد من الارتماء بين احضان الوهابية من ناحية اخرى وركز بالخصوص على مرارة الصراع الايديولوجي بين الوهابية والتيجانية وتأثيره على المجتمع السينغالي. الصراع بين الدين المسيحي والعلمانية وأشار المحاضر اللبناني لويس صليبا في مداخلته عن «الاصلاح المعاصر في المسيحية: قراءة في تجارب الاصلاح في كنيسة لبنان» وفي حديثه عن صراع الكنيسة مع العلمانية الى ان الكنيسة في لبنان عرفت في القرن العشرين تجارب إصلاح عديدة كان عدد منها رائدا وذو إثر عميق في محيطه. كما كان بعضها سابقا لورشة الإصلاح التي يقوم بها البابا فرنسيس اليوم على رأس الكنيسة الكاثوليكية. واختار المحاضر ان يتحدث عن تجربة المطران غريغوار حداد الاصلاحية (1924 – 2015) وكان رئيس أساقفة بيروت للروم الكاثوليك، وأحد أبرز الدعاة إلى العلمانية. الذي كانت له طروحات جذرية وجرأة وثورية على القديم البالي حيث خلع المظهر ولبس الجوهر وعاش ومات حبرا فقيرا ولكن زعيما كبيرا سابقا لعصره وقد احدث ثورة في الفكر اللاهوتي وكان أحد القلائل الذين تركوا أثرا عميقا في الفكر العربي الخاص بفلسفة الدين وتيار المجتمع المدني الذي اسسه عام 2000 . وكان يعتبر ان الدين يحرر الانسان ولا يستعبده وان العلمانية تحرره من الدين ولا تحرره كإنسان. اما عن تجربة ألاب لويس خليفة (1930 – 1997) وهو عميد كلية اللاهوت الجبرية) /الكسليك لبنان ورائد التأوين في كنيسة لبنان فقال المحاضر انه نادى بوجوب جعل التاريخ بما في ذلك تاريخ الاديان خادما للإنسان لان الانسان هو البداية، ومنه ننطلق للوصول إلى الله، وليس العكس. وكانت لهذا الاب بحوث رائدة في مجال دور المرأة في الكنيسة والمجتمع، ومما كان يقوله: «إذا ما تساوت المرأة والرجل في مجالات الحب فقد تساويا في كل المجالات». كما عمل بصورة دؤوبة على تحديث النظرة المسيحية والكنيسية للعلاقات بين الرجل والمرأة وخاصة في شقها العاطفي والجنسي.. وخلال حصة النقاش التي كانت ثرية اشار بعض الحضور الى أهمية تحديد بعض المفاهيم السائدة لتفادي الخلط بين كل ما هو ديني والممارسة الدينية في العالمين الاسلامي والمسيحي وأشارت بعض المداخلات الى الضرورة الوقوف على القواسم المشتركة بين الاديان للتأسيس لمقاربات للإصلاح الديني رغم وجود العديد من الفجوات هي نتيجة لقراءات مختلفة للدينين الاسلامي والمسيحي. كما تساءل بعض الحضور عن مدى نجاح حوار الاديان في التقريب بين هذه الاخيرة وصد بعض الرؤى والاطروحات العاملة على تعميق الخلافات بين هذه الاديان وأهمية البناء عليها لإجهاض كل نفس فكري اصلاحي حقيقي يفصل بين الدين والممارسة الدينية والمسيحية الدينية والاسلام السياسي.