منوبة: تخصيص 02 مليون دينار لتركيز سوق دواب وملعب حي وتهيئة القرية الحرفية ببرج العامري    عاجل/ بعد زلزال شرق روسيا..تحذيرات من "تسونامي" في عدة دول..    عاجل/ استشهاد 13 فلسطينيا واصابة اخرين في قصف صهيوني على قطاع غزة..    عاجل/ من بينهم التونسي حاتم العويني: هذا ما قرره الاحتلال في حق نشطاء سفينة "حنظلة"..    أحمد الجوادي يصنع الحدث .. ويهدي تونس الذهب    النائبة ماجدة الورغي لوزيرة الثقافة: ما عادش تبعثولنا تساكر بوبلاش والّي يحب يدخل للمهرجانات يدخل بفلوسو    الغرفة التجارية بصفاقس تنظّم المشاركة التونسية في معرض "ليبيا للرعاية الصحية" بطرابلس    أعوان شركة السكك الحديدية يُهدّدون بالإضراب    شقيقة ضحية سيدي بوزيد: "أخي قُتل بدم بارد بسبب علبة سجائر.. ونطالب بأقصى العقوبات"    اضراب جامعة النقل...شلل تام في جميع المحطات    بريطانيا ترد على اتهامها ب"مكافأة" حماس    وزير الخارجية السعودي يعلن اعتماد الوثيقة الختامية لمؤتمر حل الدولتين في نيويورك    عاجل - نابل : حجز آلاف اللترات من المياه المعروضة تحت الشمس ومواد غذائية فاسدة!    بايرن ميونيخ يتعاقد مع الكولومبي لويس دياز حتى 2029    النجم الساحلي: التركيبة الكاملة للهيئة المديرة الجديدة    وزارة التعليم العالي تفتح التسجيل في الارساليات القصيرة للحصول على نتائج الدورة الرئيسية للتوجيه الجامعي    15 سنة سجناً لمروّج مخدرات بجهة البحر الأزرق    زيادة ب4% في عائدات الخطوط الجوية التونسية..    اليوم العالمي للصداقة: شكون صاحبك بالحق؟ وكيفاش تميّز الصحبة الصحيحة من المزيّفة؟    مصيف الكتاب 2025: حين تتحول القراءة إلى متعة صيفية    عليك بالماء المالح...نصيحة من طبيب تونسي للناس الكل    باحثة تونسية تُكرَّم على منصّتها الذكية لمواجهة العوامل الممرضة    طقس مستقر نسبيًا اليوم مع سحب عابرة وحرارة معتدلة إلى مرتفعة    محرز الغنوشي: ''السباحة ممكنة بالسواحل الشرقية ولا ننصح بها بالشمال''    أحلام تُخاطب التونسيين: قرطاج بوابة مروري الفني...انتظروني بكل حبّ وشوق    من هو ''الشامي'' اللّي عامل حالة في تونس؟    زلزال في روسيا والموجات ماشية لأمريكا؟ شصاير في العالم؟!    يا توانسة: طقس الويكاند موش كيف العادة!    نومك يحكم على صحتك؟ دراسة تكشف أمراض خطيرة وراء العادات السيئة!    بشرى لمرضى الزهايمر...تعرف عليها    الحماية المدنية : 144 تدخلا لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    الإتحاد المنستيري: اليوم الدخول في تربص .. و28 لاعبا في الموعد    اتصالات تونس تحتفي بإدماج أعوان المناولة على المستويين الجهوي والمركزي    حضور جماهيري واسع في حفلة "الشامي" والسوق السوداء تنغص الفرحة    اسرائيل تستهدف طوابير الجوعى وتسقط شهداء وجرحى    وفاة الفنان المصري لطفي لبيب    "الشامي" يشعل ركح مهرجان الحمامات في أول ظهور له بتونس    التونسي اليوم...بلاش وسيلة نقل    تنبيه/ رياح قوية وبحر مضطرب اليوم..#خبر_عاجل    مبابي يرتدي القميص رقم 10 في ريال مدريد بعد رحيل مودريتش    فحص السيارات في تونس.. شنو الجديد وكيفاش يعاون في تقليل الحوادث؟    صلاح الدين السالمي: إضراب النقل ناجح بنسبة 100% وتعطيل الحوار يعود إلى تراجع الحكومة عن تعهداتها    العثور على "دقيقة مفقودة" قد تقلب الموازين في قضية إبستين!    النقابة الأساسية لسيارات الأجرة ''لواج'' بسوسة ترفض قرار وزارة النقل    تاريخ الخيانات السياسية (30)...تمرّد المبرقع اليماني بفلسطين    سجنان .. إنقاذ حرّاقة    تونس تحرز الميدالية الفضية لبطولة افريقيا لكرة الطاولة صغريات    حجز كمية من قوارير المياه معروضة تحت أشعة الشمس ومواد غذائية غير صالحة للاستهلاك بولاية نابل    عاجل/ وزارة النقل تعلن عن جملة من الاجراءات اثر قرار الاضراب بالمؤسسات العمومية..    حادث أليم ببوعرقوب: قطار يصدم سيارة ويودي بحياة كهل ويصيب ابنه بجروح خطيرة    اتحاد بن قردان يعلن رفع منع الانتداب    الخطوط التونسية تسجّل ارتفاعًا ب4 بالمائة في العائدات رغم تراجع عدد المسافرين في النصف الأول من 2025    بطولة العالم للرياضات المائية بسنغفورة - احمد الجوادي يتاهل الى نهائي 800م سباحة حرة بافضل توقيت في التصفيات    تحذير: الحزن الشديد قد يؤدي إلى الوفاة المبكرة..    استراحة صيفية    تاريخ الخيانات السياسية (29) خيانة القائد أفشين للمعتصم    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة سياسيّة : في مفهوم العلمانية
نشر في الشروق يوم 04 - 07 - 2012

يعد مصطلح «العلمانية» من أهم المصطلحات في الخطاب التحليلي الاجتماعي والسياسي والفلسفي الحديث ، لكنه ما يزال مصطلحاً غير محدد المعاني والمعالم والأبعاد.

كلمة «العلمانية» هي ترجمة لكلمة «سيكولاريزم Secularism» الإنجليزية، وهي مشتقة من كلمة لاتينية «سيكولوم Saeculum»، وتعني العالم أو الدنيا و توضع في مقابل الكنيسة، وقد استخدم مصطلح «سيكولارSecular « لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا(عام 1648م)-الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوربا- وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية) مشيرًا إلى «علمنة» ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة المدنية. وقد اتسع المجال الدلالي للكلمة على يد جون هوليوك (1817-1906م) الذي عرف العلمانية بأنها: «الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض».
و تميز بعض الكتابات بين نوعين: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة.

1 - العلمانية الجزئية: هي رؤية جزئية للواقع لا تتعامل مع الأبعاد الكلية والمعرفية، ومن ثم لا تتسم بالشمول، وتذهب هذه الرؤية إلى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة، وربما الاقتصاد وهو ما يُعبر عنه بعبارة «فصل الدين عن الدولة»، ومثل هذه الرؤية الجزئية تلزم الصمت حيال المجالات الأخرى من الحياة، ولا تنكر وجود مطلقات أو كليات أخلاقية أو وجود ميتافيزيقا وما ورائيات، ويمكن تسميتها «العلمانية الأخلاقية» أو «العلمانية الإنسانية».

2 - العلمانية الشاملة: رؤية شاملة للواقع تحاول بكل صرامة تحييد علاقة الدين والقيم المطلقة والغيبيات بكل مجالات الحياة، ويتفرع عن هذه الرؤية نظريات ترتكز على البعد المادي للكون وأن المعرفة المادية المصدر الوحيد للأخلاق وأن الإنسان يغلب عليه الطابع المادي لا الروحي،ويطلق عليها أيضاً «العلمانية الطبيعية المادية»(نسبة للمادة و الطبيعة).

ويعتبر الفرق بين ما يطلق عليه «العلمانية الجزئية» وما يسمى «العلمانية الشاملة» هو الفرق بين مراحل تاريخية لنفس الرؤية، حيث اتسمت العلمانية بمحدوديتها وانحصارها في المجالين الاقتصادي والسياسي حين كانت هناك بقايا قيم مسيحية إنسانية، ومع التغلغل الشديد للدولة ومؤسساتها في الحياة اليومية للفرد انفردت الدولة العلمانية بتشكيل رؤية شاملة لحياة الإنسان بعيدة عن الغيبيات ، واعتبر بعض الباحثين «العلمانية الشاملة» هي تجلي لما يطلق عليه «هيمنة الدولة على الدين».
وقياسا على ذلك فلقد مرت العلمانية الشاملة بثلاث مراحل أساسية:

1 - مرحلة التحديث: حيث اتسمت هذه المرحلة بسيطرة الفكر النفعي على جوانب الحياة بصورة عامة، فلقد كانت الزيادة المطردة من الإنتاج هي الهدف النهائي من الوجود في الكون، و لذلك ظهرت الدولة القومية العلمانية في الداخل و الاستعمار الأوروبي في الخارج لضمان تحقيق هذه الزيادة الإنتاجية، و استندت هذه المرحلة إلى رؤية فلسفية تؤمن بشكل مطلق بالمادية و تتبنى العلم و التكنولوجيا المنفصلين عن القيمة، و انعكس ذلك على توليد نظريات أخلاقية و مادية تدعو بشكل ما لتنميط الحياة، و تآكل المؤسسات الوسيطة مثل الأسرة.
2 - مرحلة الحداثة: وهي مرحلة انتقالية قصيرة استمرت فيها سيادة الفكر النفعي مع تزايد وتعمق أثاره على كافة أصعده الحياة، فلقد واجهت الدولة القومية تحديات بظهور النزعات الإثنية ، وكذلك أصبحت حركيات السوق (الخالية من القيم) تهدد سيادة الدولة القومية، واستبدل الاستعمار العسكري بأشكال أخرى من الاستعمار السياسي والاقتصادي والثقافي، واتجه السلوك العام نحو الاستهلاكية الشرهة.
3 - مرحلة ما بعد الحداثة: حيث الاستهلاك هو الهدف النهائي من الوجود ومحركه اللذة الخاصة، واتسعت معدلات العولمة لتتضخم مؤسسات الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية الدولية وتتحول القضايا العالمية من الاستعمار والتحرر إلى قضايا البيئة والإيدز وثورة المعلومات، وتضعف المؤسسات الاجتماعية الوسيطة مثل الاسرة، لتحل محلها تعريفات جديدة للأسرة : رجلان وأطفال- امرأة وطفل- امرأتان وأطفال…)، كل ذلك مستنداً على خلفية من غياب الثوابت المعايير الحاكمة لأخلاقيات المجتمع والتطور التكنولوجي الذي يتيح بدائل لم تكن موجودة من قبل في مجال الهندسية الوراثية.

ورغم خروج مصطلح «علمانية» من رحم التجربة الغربية، إلا أنه انتقل إلى القاموس العربي الإسلامي، مثيرًا للجدل حول دلالاته وأبعاده، والواقع أن الجدل حول مصطلح «العلمانية» في ترجمته العربية يعد إفرازاً طبيعياً لاختلاف الفكر والممارسة العربية الإسلامية عن السائد في البيئة التي انتجت هذا المفهوم، لكن ذلك لم يمنع المفكرين العرب من تقديم إسهاماتهم بشأن تعريف العلمانية.

وتختلف إسهامات المفكرين العرب بشأن تعريف مصطلح «العلمانية» ، على سبيل المثال يرفض المفكر المغربي محمد عابد الجابري تعريف مصطلح العلمانية باعتباره فقط فصل الكنيسة عن الدولة، لعدم ملاءمته للواقع العربي الإسلامي، ويرى استبداله بفكرة الديمقراطية «حفظ حقوق الأفراد والجماعات»، والعقلانية «الممارسة السياسية الرشيدة».

في حين يرى د.وحيد عبد المجيد الباحث المصري أن العلمانية (في الغرب) ليست أيديولوجية -منهج عمل- وإنما مجرد موقف جزئي يتعلق بالمجالات غير المرتبطة بالشئون الدينية. ويميز د. وحيد بين «العلمانية اللادينية» -التي تنفي الدين لصالح سلطان العقل- وبين «العلمانية» التي نحت منحى وسيطًا، حيث فصلت بين مؤسسات الكنيسة ومؤسسات الدولة مع الحفاظ على حرية الكنائس والمؤسسات الدينية في ممارسة أنشطتها.

وفي المنتصف يجيء د. فؤاد زكريا-أستاذ الفلسفة- الذي يصف العلمانية بأنها الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة، ملتزماً الصمت إزاء مجالات الحياة الأخرى (الاقتصاد والأدب) وفي ذات الوقت يرفض سيطرة الفكر المادي النفعي، ويضع مقابل المادية «القيم الإنسانية والمعنوية»، حيث يعتبر أن هناك محركات أخرى للإنسان غير الرؤية المادية.

ويقف د. مراد وهبة - أستاذ الفلسفة- و كذلك الكاتب السوري هاشم صالح إلى جانب «العلمانية الشاملة» التي يتحرر فيها الفرد من قيود المطلق والغيبي وتبقى الصورة العقلانية المطلقة لسلوك الفرد، مرتكزًا على العلم والتجربة المادية.

ويتأرجح د. حسن حنفي صاحب نظرية «اليسار الإسلامي» بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ويرى أن العلمانية هي «فصل الكنيسة عن الدولة» كنتاج للتجربة التاريخية الغربية،ويعتبر د.حنفي العلمانية -في مناسبات أخرى- رؤية كاملة للكون تغطي كل مجالات الحياة وتزود الإنسان بمنظومة قيمية ومرجعية شاملة، مما يعطيها قابلية للتطبيق على مستوى العالم.
من جانب آخر، يتحدث د.حسن حنفي عن الجوهر العلماني للإسلام -الذي يراه ديناً علمانياً للأسباب التالية:
1 - النموذج الإسلامي قائم على العلمانية بمعنى غياب الكهنوت، أي بعبارة أخرى المؤسسات الدينية الوسيطة.
2 - الأحكام الشرعية الخمسة [الواجب-المندوب-المحرم-المكروه-المباح] تعبر عن مستويات الفعل الإنساني الطبيعي، وتصف أفعال الإنسان الطبيعية.
3 - الفكر الإنساني العلماني الذي حول بؤرة الوجود من الإله إلى الإنسان وجد متخفٍ في تراثنا القديم عقلاً خالصًا في علوم الحكمة، وتجربة ذوقية في علوم التصوف، وكسلوك عملي في علم أصول الفقه. و يمكن الرد على تصور علمانية الإسلام، بأنه ثمة فصلا ًحتمياً للدين و الكهنوت عن الدولة في كل المجتمعات الإنسانية تقريباً، إلا في المجتمعات الموغلة في البدائية، حيث لا يمكن أن تتوحد المؤسسة الدينية و السياسية في أي مجتمع حضاري مركب. و في الواقع، هذا التمايز مجرد تمايز المجال السياسي عن الديني، لكن تظل القيمة الحاكمة و المرجعية النهائية للمجتمع (و ضمن ذلك مؤسسات صنع القرار) هي القيمة المطلقة (أخلاقية-إنسانية-دينية) و هي مرجعية متجاوزة للدنيا و للرؤية النفعية.

هذا و قد تبلور مؤخراً مفهوم «ما بعد العلمانية» (بالإنجليزية: بوست سيكولاريزم-Post-secularism) و صاغه البروفسير جون كين، و«ما بعد» هنا تعني في واقع الأمر «نهاية»،و تشير إلى أن النموذج المهيمن قد فقد فعاليته، ولكن النموذج الجديد لم يحل محله بعد، حيث يرى أن العلمانية لم تف بوعودها بشأن الحرية و المساواة (حيث تنتشر العنصرية والجريمة والنسبية الفلسفية) وأخفقت في العالم الثالث (حيث تحالفت الأنظمة العلمانية مع الإستبداد والقوى العسكرية) ولم تؤد إلى الجنة العلمانية الموعودة، ذلك في حين ظلت المؤسسات الدينية والقيم المطلقة فاعلة على مستوى المجتمع وحياة الناس اليومية، في معظم بلدان العالم الثالث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.