بجانب قوص النصر في العاصمة الباريسية التف نحو 10 من مرتدي السترات الصفراء وطرحوا أرضا أحد قوات الأمن وأبرحوه ضربا، هكذا تشهد احتجاجات «السترات الصفراء» في فرنسا منحى أكثر عنفا وتشددا. فقد بدت المشاهد التي نقلتها شاشات العالم أول أمس من باريس شبيهة بساحات المعارك أو الحروب في سوريا أو العراق أو بأحداث فيلم حركة أمريكي يتصارع أبطاله طوال أحداث قصة يبدو أن عقدتها لم تنفض بعد. فعاصمة الأنوار وجادة الشانزي ليزيه والشوارع الفاخرة القريبة منها استحالت ساحات معارك وحرق وتكسير واعتداءات على المارة والصحفيين. «لا يوجد سبب يبرر...» كل ذلك في وقت يبدو فيه أن القيادة السياسية الفرنسية متمسكة بمواقفها بالرغم من أن الأحداث المتصاعدة في باريس بالخصوص نهاية كل أسبوع تمثل الاختبار الأبرز للرئيس الذي لم يقض إلا 18 شهرا في الايليزيه. فالعنف الذي يعتبره عدد من مرتدي «السترات الصفراء» و-ليس كلهم- تصعيدا في وجه رئيس متمسك بمواقفه يتحدى الفرنسيين هو أيضا ذريعة في خطاب ماكرون الذي يندد به ويعتبره غير مقبول... «لا يوجد سبب يبرر الهجوم على قوات الأمن ونهب المحال التجارية وإضرام النار في المباني العامة والخاصة وتهديد المارة والصحفيين وتشويه قوس النصر»، هكذا يقول ماكرون في خطاب ألقاه في الأرجنتين في قمة مجموعة العشرين كما أعلن ماكرون أنه سيرأس اجتماعا لكبار الوزراء عند عودته للبلاد لبحث سبل مواجهة موجة العنف التي تشهدها فرنسا. وبالرغم من ان احتجاجات السترات الصفراء لا تتم إلا كل يوم سبت وبالرغم من تراجع أعداد المشاركين فيها، إلا أنها أخذت اتجاها أكثر عنفا قد يكون قد غيّر بالفعل وجه أهم شوارع العاصمة. وربما نقلت لنا شاشات قنوات العالم صورا ما كان من الممكن توقع أنها يمكن أن تحدث في عاصمة الأنوار وحقوق الإنسان. ولكن يبدو أن الأمور تأخذ منحى آخر فوزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير يعتبر أن السلطات ستدرس كل الإمكانيات من أجل حماية البلاد من أي انفلاتات، بما في ذلك حتى إعلان حالة الطوارئ في البلاد، والتي تم إنهاء فرضها في 1 نوفمبر 2017، بعد انتهاء أحداث عنف شهدتها البلاد. مطالب المحتجين في المقابل والتي انطلقت من الاعتراض على الضرائب الجديدة المفروضة على المحروقات وتدهور القدرة الشرائية للفئات الضعيفة من الفرنسيين رفعت منذ البداية شعارات سياسية منها نقد سياسات ماكرون الذي يعتبرونه رئيس الفقراء. «الثورة إلى الأمام» ولكن أحد المحتجين تحدث أول أمس إلى أحد مراسلي قناة «بي إف إم تيفي» الفرنسية التي كانت تنقل أعمال العنف في باريس وبقية الاحتجاجات في مناطق أخرى من البلاد ذات الطابع السلمي، وعندما سأله المراسل عن تطور شعارات المحتجين، استدار المحتج ليريه سترته الصفراء التي كتب عليه «La révolution en marche» أو «الثورة إلى الأمام» اقتباسا لاسم حزب ماكرون الذي أوصله إلى الحكم وهو حركة «إلى الأمام.» ولكن بالرغم من التصعيد الذي تعرفه الاحتجاجات التي يصفها فرنسيون بغير المسبوقة يبقى التنبؤ بمدى قدرتها على تحقيق تغييرا فعليا في أعلى هرم السلطة أو حتى بحجم التصعيد الذي يمكن أن تتخذه في أيام السبت المقبلة صعبا ولكنها على الأقل تعكس وفعليا أن مشاهد التخريب والعنف والسطو على زجاجات المشروبات الكحولية يحدث في عاصمة الأنوار.. أيضا.