لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يخرج أحد منتصرا من معركة كسر العظام بين الحكومة والنقابات في قطاع التربية والتعليم. فالكل خاسر والكل واع بهذه الحتمية فلماذا الهروب إلى الأمام؟ حقيقة أخرى لا يمكن إنكارها بان هناك محاولات لصب الزيت على النار وسعي مفضوح للزج بمربينا الأفاضل وتلاميذنا فلذات أكبادنا في أتون صراعات سياسية وانتخابية ليست خافية على أحد ولن تزيد الوضع إلا تعقيدا بل لعل البعض يصلون في سرهم بأن تتواصل الأزمة والتصعيد المتبادل إلى درجة أن تصريحات لأطراف سياسية وحزبية أصبحت تروج للخلاف بين الجامعة العامة للتعليم الثانوي ووزارة التربية على شاكلة معركة شعب ضد خيارات حكومة الشاهد والبعض الآخر على وشك رفع شعار "الرخ لا" في المقابل ينتهج الشق المقابل خيار اللعب على وتر احتقان عموم التونسيين المعنيين والمتخوفين على مصير أبنائهم الدراسي لشيطنة الأساتذة ومن وراء ذلك اتحاد الشغل. تصريحات تحريضية يعلم الجميع أنها تأتي في سياق سياسي متأزم وصراع انتخابي محتدم تعمل أطراف من هنا وهناك على استثماره. كما تصدر أحيانا مواقف متشنجة بدافع الحيرة والخوف على مصير التلاميذ والسنة الدراسية لكنها قطعا مدانة نظرا لتداعياتها الخطيرة على مكانة المربي في المجتمع والمنظومة التربوية وأيضا لأنها تمس بمكانة مؤسسات وطنية في قيمة اتحاد الشغل. ولا يجب أن تعمي الحسابات ولا الغصب البعض عن حجم الفاتورة الباهظة التي سيدفعها الجميع دون استثناء. وهنا وعلى سبيل الذكر لا الحصر نشير إلى ما صدر أمس عن المحامي والناشط السياسي لزهر العكرمي عندما شبه سياسة اتحاد الشغل بسياسة "بوكو حرام" حيث كتب في تدوينة على صفحته بالفايسبوك".. ويستمر الوجع والمرارة، لدى كل من اختاروا المدرسة العمومية، يقابله زهو وخيلاء، وتفاخر، وسنطرح سؤال العزاء، "هل أنّ اتحاد الشغل هو الخيمة الأخيرة أم انه الخيبة الأخيرة" بعد ان لجأ الى سياسة بوكو حرام باختطاف أطفال المدارس واعتماد سياسة التفاوض بالرهائن"؟ ولئن عبرت التدوينة عن مرارة جل الأولياء لكنها دون شك مدانة في تقدير الكثيرين لأنها ستغذي الشعور العام بفقدان الثقة وقد تدفع للتصعيد ورد الفعل عوض البحث عن التهدئة والحلول. ومن منطلق المسؤولية المشتركة في الأزمة وإدارتها الخاطئة إلى حد اليوم في ظل تواصل عدم إنجاز امتحانات الأسبوع المغلق مع تعطل سير الدروس في جل الإعداديات والمعاهد الثانوية وتصعيد الأساتذة أمس بتنفيذ تجمعات ووقفات احتجاجية ردا على ما اعتبروه تصريحات مستفزة ومحاولات تشويه متعمدة، فبالقدر ذاته تبدو أيضا المسؤولية مشتركة بين جميع الأطراف في وقف نزيف التصعيد المتبادل والجلوس فورا على طاولة التفاوض لإنهاء الأزمة. ولعل ما حملته ال24 ساعة الأخيرة من مبادرات وتصريحات إيجابية ما يدفع باتجاه توقع عودة الرشد وخطاب العقل والتوجه قريبا إلى تغليب منطق الحوار انتصارا لمصلحة التلميذ والمنظومة التربوية. حيث أعلن أول أمس الأمين العام المساعد بوعلي المباركي على قناة "الحوار التونسي" أن الاتحاد يدعو الحكومة ووزارة التربية للدعوة إلى الحوار والمركزية النقابية لها كل الاستعداد للتوصل لاتفاق. من جهته صرح وزير التربية حاتم بن سالم أن الوزارة مستعدة للتفاوض ولم توصد الأبواب كما جدد في السياق ذاته رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمس رفض حكومته المطلق جعل التلاميذ ضحية الخلافات والتجاذبات، وقال لدى إشرافه بسوسة على افتتاح أشغال الدورة 33 لأيام المؤسسة إن "الموقف الذي عبرت عنه الحكومة واضح وهو التأكيد على الدعوة إلى التفاوض مع الطرف النقابي في إطار القانون واحترام الدستور". بدورها تحركت أطراف من داخل قبة البرلمان للدفع نحو إيجاد حلول وتقريب وجهات النظر حيث كشف النائب عن كتلة الجبهة الشعبية هيكل بلقاسم أمس انه أودع الاربعاء طلبا بمكتب رئاسة مجلس نواب الشعب لمحاولة تقريب وجهات النظر بين وزير التربية ونقابة التعليم الثانوي قائلا "تعهّد مكتب المجلس بدراسة الملف ومراسلة رئاسة الحكومة ووزير التربية والطرف النقابي ودعوتهم للتحاور". ومرة أخرى تؤكد الأزمات المتعاقبة أن قدرنا الجلوس على طاولة الحوار فلا سبيل دونه لإدارة خلافاتنا واختلافاتنا فما بالك إذا ما تعلق الأمر بمستقبل ومصير التلاميذ.