يمكن وصف إسقاط مشروع قانون تنقيح نظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد والتقاعد في القطاع العمومي والباقين على قيد الحياة في هذا القطاع بالخطوة الصادمة خاصة في ما يتعلق بسلوك النواب وطريقة التصويت، حيث أُسقط هذا المشروع برمته في الجلسة العامة المنعقدة يوم الخميس 13 ديسمبر 2018 بمجلس نواب الشعب إثر تصويت 71 نائبا فقط بنعم فيما رفضه 16 نائبا واحتفظ 8 نواب بأصواتهم، في المقابل تمّ التصويت على كلّ فصل على حدة. هذه الخطوة دفعت بوزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، للتعبير يوم الجمعة 14 ديسمبر 2018، عن «أسفه لإسقاط مشروع قانون نظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد والباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي برمّته». وقال الطرابلسي «قانون التقاعد يجب أن يبقى بعيدا عن التجاذبات السياسية.. وهذا الرفض ضربة كبيرة لإصلاحات الصناديق الاجتماعية التي تنادي بها الحكومة.. والبرلمانيون لم يتضامنوا مع مليون متقاعد» وفق ما أورده «راديو ماد». المثير للاستغراب في هذا المسار أن يتمّ التصويت بنعم على كل فصل على حدة وفي نهاية المطاف يتمّ إسقاط مشروع القانون برمته، كخطوة غريبة وسلوك برلماني لا وصف له غير التلاعب السياسي بهذا الملف بطرق فاضحة ولا مسؤولة. فلا معنى ولا مبرر لما قام به النواب الحاضرون من تصويت على المشروع فصلا فصلا ثمّ عدم التصويت عليه برمّته. يرى مراقبو المشهد العام أنّ المسألة لها أبعاد أخرى لها علاقة بالحزام السياسي والبرلماني لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، ففي تصريح ل»الصباح الأسبوعي» أكّد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنّ «ما حصل يكشف وجود حالة من عدم الانضباط في أوساط الداعمين للشاهد وهي حالة سياسية يمكن أن تتكرر في مشاريع أخرى ومناسبات أخرى». وأضاف الجورشي «تُبيّن هذه الحالة أيضا وجود تفاوت بين الداعمين للحكومة في مواقفهم في مسائل اقتصادية واجتماعية من مشاريع قوانين قد تكون هامة وضرورية في هذه المرحلة وهو ما من شأنه أن يجعل وضع الحكومة في حالة هشاشة مستمرّة لأن الانضباط السياسي والحزبي في دعم السياسات مسألة ضرورية جدّا لحماية الاستقرار ولتطوير الشأن الاقتصادي والسياسي». في المقابل اعتبر المحلل السياسي جوهر بن مبارك في تصريح ل»الصباح الأسبوعي» أنّ «إسقاط مشروع القانون في حدّ ذاته ليس بالمسألة السيئة لأنه قانون مضر بمصلحة البلاد ومن شأنه أن يزيد من تغذية الأزمة الاجتماعية والسياسية في هذه المرحلة بالذات». الملاحظة الثانية وفق قول بن مبارك، أنّه «رغم إيجابية عدم تمرير هذا القانون من الناحية الاجتماعية فإنّ إسقاطه ستكون له تأثيرات على قانون المالية وسيضطر الحكومة لتدارك الأمر بإعداد قانون مالية تكميلي جديد باعتبار أن الأمر يتعلق بتوفير 1800 مليار وهي القيمة التي كانت منتظرة من التصويت على هذا القانون كأموال ستضخ في الصناديق الاجتماعية». أما في ما يهمّ الجانب السياسي قال جوهر بن مبارك إنّ «المشكل يكمن في مسألة الانضباط في الأغلبية الحاكمة، فبعد التصويت فصلا فصلا بأغلبية ضعيفة ولكن في نفس الوقت بالأغلبية المطلوبة يتمّ رفض مشروع القانون برمته وهذا غريب». في نفس السياق وإضافة لإشكالية الانضباط يمكن أيضا التأكيد، وفق قول بن مبارك، على «ضعف القدرة على التعبئة والحشد بالنسبة للأغلبية الحاكمة التي تتمتع بأغلبية مريحة خاصة خلال منح الثقة للحكومة، لكن في المقابل من العجيب أن تعجز هذه الحكومة على تحصيل الأغلبية للتصويت على قانون بهذه الأهمية لما له من انعكاسات مالية كبرى وهذا يُبرز ضعف الحكومة على التحكم في أغلبتها البرلمانية وفي توجيهها». كما يؤكد هذا الأمر على أنّه «رغم توفر الحكومة على أغلبية مريحة من حيث العدد إلا أنها لا تتحيز على الأغلبية النوعية فهي أغلبية غير منضبطة وغير صلبة يمكن التعويل عليها في كلّ المحطات بشكل آلي». في هذا الاتجاه يمكن «اعتبار كلّ هذه المعطيات مؤشرا سلبيا لمستقبل يوسف الشاهد السياسي الذي بدت انطلاقته متعثرة لإنشاء مشروعه السياسي والحزبي الذي ينوي التقدم به للانتخابات وهذا يدلّ على أن في ذهن الأغلبية البرلمانية أن الشاهد ليس زعيما سياسيا وليست له القدرة على التحكم الجيد في هذه المجموعة». يُذكر أنّ مشروع القانون على الترفيع بعامين في سن التقاعد بالقطاع العمومي ينصّ على تحديد سن الإحالة للتقاعد ب62 سنة وتحديد سن الإحالة للتقاعد بالنسبة إلى العملة الذين يقومون بأعمال منهكة ومخلة بالصحة ب57 سنة على أن تضبط قائمة هذه الأعمال في أمر حكومي. كما ينص على الترفيع الاختياري في سن الإحالة على التقاعد بسنة حتى 5 سنوات والى حدود 70 سنة للأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 29 مكرر من هذا المشروع ، فضلا عن الترفيع بنسبة 3 بالمائة في المساهمات المستوجبة بعنوان التقاعد (2 بالمائة على المشغل و1 بالمائة على كاهل العون). ويقترح الترفيع بسنة واحدة من غرة جانفي 2019 بالنسبة للأعوان الذين ستتم إحالتهم على التقاعد طيلة سنة 2020 والزيادة بسنتين لمن سيحالون على التقاعد طيلة سنة 2020.