قبل الدخول الى قلب «الشارع» ألفت انظار القراء الافاضل الى ان العنوان اعلاه جاء مزدوج اللغة لانه يعبر بصدق عما يعيشه مسرحنا وساحتنا الغنائية من تجاوزات واجهاضات غير شرعية تولد عنها مسرح اقطع وغناء اكتع اي مبتور الاطراف وبلغة فوليتر «MANCHOT».. استباحة الركح اعتبارا لحرارة الموضوع بما يجعل المقابلة ساخنة فاني سأبدأ باستعراض منتخب «الوان مانشو» بتركيبته الاساسية والتعويضية مع تغييب العناصر التي غيبها الموت داعيا لهم بالرحمة: الامين النهدي زهيرة بن عمار رؤوف بن يغلان غازي الزغباني ناجية الورغي جعفر القاسمي ليلى الشابي كوثر الباردي وجيهة الجندوبي لطفي العبدلي محمد علي بن جمعة منال عبد القوي توفيق العايب.. كما ترون.. هذا المنتخب العتيد من «المانشوات» قادر على خوض اعتى البطولات العالمية بتركيبة مختلطة بإمكانها صنع العجب. اما العجب العجاب فيتمثل في هذه الهجمة التي يشهدها المسرح عندنا من طرف هواة الدراما المبتورة الاطراف والاجنحة.. لقد فعلها العجم فوقع في فخها العرب كما يقول المثل. وحتى ندرك حجم ما يرتكب في حق المسرح من آثام باسم النزعة «المانشوية» ادعوكم للتوقف برهة والعودة بطريقة «البلاي باك» الى سنوات العز المسرحي. لقد عرفت الحركة المسرحية عندنا منذ سنوات طويلة طفرة كمية ونوعية افرزت في النهاية العديد من التجارب المتنوعة جعلتها تحتل مركزا طليعيا فتح امامها ابواب العالمية. وفي هذا الباب نذكر على سبيل المثال اعتلاء المسرحيين التونسيين اكبر المسارح العالمية حيث حصدوا التقدير والتبجيل.. من مسرح الامم بباريس الى مختلف الاركاح الغربية والعربية. وقد ساد المسرح التونسي الفعل الركحي العربي واعتبر رائد النهضة المسرحية العربية الحديثة. ولم يتسن ذلك الا بفضل جيل من المؤمنين برسالة المسرح كركيزة اساسية للارتقاء بالفكر والاسهام في اغناء الحركة الاساسية بما يحقق التكامل بين المادي والروحي.. وبذلك ضمن انخراط الاجيال في كل ما يقدمه من اعمال. ولعل جيل الستينات مثلا يتذكر تلك الفترة الذهبية التي شهدت انتعاشة قصوى للنشاط المسرحي رغم انحسار عدد الفرق آنذاك.. وذلك بفضل فرقة بلدية تونس للتمثيل التي شكلت في تلك الحقبة الحلقة الاهم في الحركة المسرحية. تلك الحركة كانت مسنودة بإرهاصات بعض الفرق العصامية قبل ان تلتحق بالركب فرقة قفصة لتتلوها بعد ذلك عدة فرق جهوية. وما كان لتلك الحركة ان تحقق ما حققت لو لم تكن مسنودة ايضا بالجمهور الذي وجد المسرح الذي يمثله ويقدم المادة التي تعالج قضاياه تعكس رؤاه وتوفر له الزاد الذي يطلبه. فكان الاقبال على المسرح البلدي الذي كان نقطة الاشعاع الكبرى في هذا المجال من قبل الجمهور المتعطش للأعمال المسرحية الجيدة واصبحت للعائلات التونسية تقاليدها ومواعيدها القارة مع ذلك الفضاء. وقد ادت تلك الحركة الى بلورة العديد من التجارب المسرحية التي تلونت وشكلت فسيفساء مثيرة للنقاش وردود الفعل لتفرز في النهاية اصواتا تمكنت من تجديد الخطاب المسرحي شكلا ومضمونا. وككل التجارب وفي مختلف المجالات الانسانية على وجه الخصوص وقد ثبت ذلك تاريخيا كان لابد للتجربة المسرحية التعددية أن تفرز تفتحا على أبواب أخرى بداعي التجريب او تبديل «السروج» الركحية. وفي ظل ذلك برزت «باحتشام في البداية تجربة «الوان مانشو» قبل أن تستفحل وتستحوذ على اللعب الميداني ولم تترك للمسرح الاخر سوى البعض من الوقت البديل من الجهد الضائع! وفي ظرف سنوات سيطر «الوان مانشو» على الميدان الركحي وأنتج عشرات «المانشوات» التي تولد مع كل بزوغ للشمس وبذلك اصبحت الخارطة المسرحية تحت السيطرة المانشوية التي احكمت عليها قبضتها الحديدية. ولعل القائمة غير الكاملة التي عرضتها في بداية مقالي تعطي فكرة عن هذا الغزو للساحة من قبل دعاة «المانشو» وادعياء المسرح الفردي. وحتى اكون واضحا في موقفي لابد من تقديم هذه الاضافة حتى لا يذهب في ظن بعضهم انني ضد هذا الجنس المسرحي في المطلق.. طبعا وهذا اقرار فردي وجماعي يجب الاعتراف لعدة اسماء بنجاحها في تقديم اعمال فردية مستساغة بكل المقاييس الفنية وذلك بفضل طروحاتها الفكرية وقدرة اصحابها على التبليغ واستقطاب الذوات الاخرى. ولن اجرؤ على ذكر اسماء الذين حازوا شهادات الرضاء من الجمهور والنقاد حتى لا يكون ذلك مثيرا للعواطف والعواصف.. ولكن المتابعين لما يحدث في الساحة يعرفون اكثر من غيرهم القيمة التسويقية لكل ما يعرض هنا وهناك تحت هذا الغطاء. وفي القابل اي تناظرا مع الالتماعات القليلة في هذا المجال تنامت سلالة هجينة من «الوان مانشو» التي ينطبق عليها ما جاء في العنوان اي يمكن وضعها -تجاوزا - بالمسرح الميتور.. هذا اذا كانت فيها رائحة المسرح.. لقد اصبح «الوان مانشو» او ال» MANCHOT» في متناول كل من هب ودب.. «خنفس ودنفس» تصبح ممثلا «مانشويا» منتشيا!.. اذ اصبح بإمكان اي جامع للنكت مثلا ان صعد على الركح اي ركح ليقدم تفاهاته التي تبكي اكثر مما تضحك.. بل تضحك هواة الضحك على الذقون.. وبعد ربع العرض يصبح نجما في المنوعات التلفزية والاذاعية ويتصدر الصفحات الاولى في الجرائد اليومية والاسبوعية وبطلا فضائيا يصعب الحصول على كلمة منه من دون موعد مسبق. لقد استشرت موضة «الوان مانشو» وارتمى بين احضانها كل الراكبين على صهوة الاستسهال والمنتهزين للفرص وشاهدنا اعمالا لا ترتقي في مضامينها حتى الى ما يقدمه اطفال الرياض.. فهذا يصعد ليقول اي كلام معتمدا على مؤهلاته في التكشير والتكشيخ والتلوي ونفخ الاحناك.. وذلك يلوح بملكة البدوي التائه في المدينة.. والثالث يستعرض علينا عضلاته المغشوشة ويستدر الضحك بعرض مؤهلاته البدنية وعيوبه الخلقية! أين المضمون؟ وأين الموهبة في كل هذا؟! انه التهريج بعينه الذي وجد طريقه الى مسارحنا تحت غطاء الحرية الابداعية ومن خلال تلك البدع المانشوية التي اصبحت الحمار القصير لقصار الموهبة والنظر المعرفي.. كيف استشرت هذه الظاهرة.. ومن يقف وراءها؟ لقد اصبح «الوان مانشو» مصدرا للاسترزاق السهل سواء من خلال الدعم او الاغراءات التي يقدمها للباحثين عن عروض يؤثثون بها مهرجاناتهم وسهراتهم بقطع النظر عن المحتوى.. وهم يلعبون في ذلك على محدودية التكاليف مادام الممثل واحدا والديكور بسيطا للغاية.. هذا اذا لم يكن الممثل هو المؤلف والمخرج في الان! فكيف والحال كما ذكرت يمكن التصدي لهذا الجنس المشوه خلقيا وجينيا؟! اعتقد ان الامر ممكن شرط ان تتكاتف جهود الجمهور من ناحية ووسائل الاعلام من اخرى لمحاصرة هذا «النوع من المسرح» الذي يسيء للمسرح والمسرحيين الحقيقيين.. وذلك من خلال المقاطعة ورفض الانسياق في هذا التيار الجارف الذي يقوض اسس الفعل المسرحي الحق. وعلى سلطة الاشراف بمختلف هياكلها المعنية ان تساهم ايضا في الحد من هذا التيار بحجب الدعم سواء على الانتاج او على العروض عن هذه «المانشوات» وحصر ميزانية لفائدة الاعمال التي تستحق ذلك. ان المسرح مدرسة الحياة وصانع الفكر والاجيال ومرآة الشعوب لذلك يجب تخليصه من الشوائب العالقة به تحت غطاء حرية الابداع. نحن مع حرية الابداع ولكننا ضد البدع التي تضرب الابداع في الصميم وتقطع اوصال مسرحنا العظيم.. في كلمة «الوان مانشو» له استحقاقاته فلا تجعلوه «MANCHOT».. وتلك قضية اهل المسرح بالدرجة الاولى والاخيرة. جلطمة غنائية من مفكرة القلم اكرر القول انني لست مع استعمال المفردات الاجنبية في كتاباتي غير انه يحدث تحت انظارنا واسماعنا ما يجعل اللجوء الى ذلك شرا لابد منه.. لتوضيح الصورة.. فقد حدث ذات مساء في احدى المنوعات استعمال كل اللغات استنكارا واحتجاجا.. ولعلني لا ابالغ حين اؤكد ان ما قدم ليلتئذ يمكن اعتباره سقطة نوعية اضرت بتلك المنوعة. من بين الاعمدة الاساسية لتلك المنوعة استضافة الفنانين من مختلف الاختصاصات سواء للتعريف بانتاجاتهم او تشريكهم في تأثيث فقرات المنوعة.. ولئن تراوحت تلك الاستضافات بين الجيدة والاقل منها احيانا فان استضافة ذلك الشاب مجهول النسب الفني لم تحصل حتى على الحد الادنى في التقويم الورقي. انا لا اعرفه الا من خلال بعض الاعلانات الخاصة بمشاركته في بعض الفضاءات الخاصة ولم تتح لي فرصة الاستماع الى صوته وأغانيه. وهذا طبعا لا يحمل على شخصه بل لعني اتحمل وزر جهلي لهذا الصوت وابداعاته ولكنه يتحمل العبء كاملا في كل ما قدمه تلك الليلة ما القاه على اذاننا من قذائف مدمرة للذوق والاعصاب. سألته المذيعة عن سر غيابه عن المهرجانات فأجاب مبتسما وبكل الثقة في النفس: «في الواقع انا اتحمل المسؤولية الكاملة.. فقد اعددت الملفات الخاصة بذلك ولكني لم ارسلها الى الدوائر المعنية بسبب.. الكسل!» اتصور ان مديري المهرجانات تنفسوا الصعداء واستعادت وجوههم دمائها الهاربة بعد هذا الاعتراف الذي برأهم من تهمة ابعاد هذا العملاق عن جمهوره الذي كان ينتظر اطلالته على احر من الجمر! كانت هذه اولى القذائف التي اطلقها الضيف.. وكانه قرأ ما يجول في الخاطر من ظنون وشكوك بخصوص رصيده الغنائي فادر مبشرا بعدد من الأعمال الجديدة والخاصة ولتأكيد ذلك تفضل بإهدائنا احدى روائعه. رائعته جاءت مروعة فعلا.. كلمات وإبداعا.. فالعمل بائن من عنوانه.. وعنوان «الاغنية الحدث يقول: «برافو عليك».. وحتى ينال مؤلف الاغنية الاجر مضاعفا فقد صاغ درته في قالب شرقي ومصر لكلمة «BRAVO» لتصبح «BIRAVO» ومصرن اداءها فجاءت عصبانة ماسطة لاسطة! وما ان انهى اداء «بيرافوه» حتى انهالت عليه «برافوات» المذيعة التي استحسنت تلك الهدية فتكرمت عليه بكل عبارات الشكر والتمجيد. هذا الشاب اكد مرة اخرى ما يشكوه ميدان الغناء عندنا من علل.. وان المغني التونسي الذي كثيرا ما يعلن تذمره من التهميش هو الذي يتحمل تبعات افعاله واعماله بتهافته على فتات الاخرين وتفويت الفرص المتاحة بترديد تلك التفاهات والنفايات.. فبعد ذلك الشاب الذي اهدانا ذات صيف رائعة «طفيتني».. ها هو زميله يقول لمن يعنيها: «BIRAVO» عليك و»TANT PIS» للآخرين اي انا وانت وهو وهي.. شكرا على الهدية و»TANT PIS POUR NOUS» لإقدامنا على تحمل مثل هذه الاساءات التي تتكرر وتزحف على كل فضاءاتنا واهل المغنى نائمون في عسل المهرجانات والعرابن.. وبره هكاكة.. واختم بالاعتذار عن غياب ركن «فيها وما فيها» نظرا لغزارة المادة. زقزقة. مزور قال صاحب العصفورة: استمعت قبل أيام إلى إحداهن في إحدى الدرر الغنائية عنوانها «يا مزور».. ** قالت العصفورة: الزور توأم التزوير.. معناها الغناية ولات تصوير وتزوير وتدوير.. وصور صور يا «مزور».. باش تصور..