حتى وإن جدد تأكيده أنه صديق أبدي لإسرائيل لا يمكن القول ان تصريحات الرئيس الفرنسي ساركوزي في القدسالمحتلة تستحق التمعن والتوقف عندها فالرجل ولئن لم يفاجئ أحدا بمدح صداقته لإسرائيل فإنه بحق كان جريئا جدا لأنه من النادر أن يجد رئيس غربي الشجاعة الكافية لإعطاء درس في «السلامة» لبلد ظل يترف منذ اغتصاب فلسطين من موقف ضحية «الهولوكوست» وبالتالي من موقف قوة وعنجهية.. والنتيجة يعرفها الجميع بما في ذلك ساركوزي نفسه. فكأن ساركوزي وهو العطوف على إسرائيل يقدم لها جملة من النصائح مفادها أنه إذا كانت تبتغي السلامة والنجاة في المحيط العربي الرافض لها عليها أن تجمد الاستيطان كما أن يستعد مستوطنو الضفة لتلقي تعويضات وان يتم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين والأهم من كل ذلك إقامة دولة فلسطينية تشترك مع إسرائيل في القدس كعاصمة للبلدين. وإذا حاول الرئيس الفرنسي تنزيل تصريحاته في سياق تنشيط ما تم التفاهم بشأنه في أنابوليس فإنه يكون الأوضح مقارنة بالرئيس الأمريكي الذي لم يجد الشجاعة الكافية لتجسيم أفكاره ومقترحاته وهويستعد لتوديع ثماني سنوات من الحكم كانت العصر الذهبي لإسرائيل وسياستها العدوانية. لقد قدم ساركوزي ما يمكن اعتباره تسبقة لتجسيم مشروعه لاتحاد متوسطي حيث كان يرى جيدا أن نجاح مشروعه سيصطدم بأكبر العراقيل ألا وهو النزاع العربي الإسرائيلي وبالتالي فإن تسوية القضية الفلسطينية سلميا سيعني معطى جديدا في الشرق الأوسط وفي المنطقة المتوسطية . ولكن هل يكون الرئيس الفرنسي وضع مشروعه رهينة بيدي إسرائيل؟ هذا السؤال ستكشف عنه الأسابيع القادمة لمعرفة إن كانت الحكومة الإسرائيلية الحالية أو حكومة جديدة ستستجيب لنصائح ثاني أبرز صديق لها لتحقيق وضع جديد في المنطقة بما يمكن من توفير وسائل النجاح للمشروع المتوسطي. ويفترض أن يتابع ساركوزي مع الجانب الإسرائيلي فرص إحداث تقدم في العملية السلمية حتى لا تضرب إسرائيل بنصائحه عرض الحائط وتضرب مصداقيته في المنطقة العربية خصوصا أن احتمالات ترشحه لفترة رئاسية ثانية ما زالت قائمة... المؤكد أن ساركوزي الذكي لم يفكر في مصير إسرائيل بمعزل عن مستقبله السياسي ويعني الكثير بتصريحاته.. ولكن كيف سيكون رد فعله عندما تتنصل الحكومة الإسرائيلية مما سمعته من صديقها ساركوزي؟