يبدو تفاؤل بوش مثيرا بحق بإصراره على أن اتفاق سلام في الشرق الأوسط مازال ممكنا فيما تبقى من عام 2008 ذلك أن الرئيس الأمريكي الذي اخترع «خريطة الطريق» وجمع أصحاب القرار في أنابوليس يعتقد في قرارة نفسه أن أفضل الحلول هي تلك التي تلبي مصلحة إسرائيل وتخدم سياستها وتزيدها ثقلا في المنطقة. ومن المفارقات أن الإدارة الأمريكية التي عادة ما تلمّح إلى أن الاستيطان يشكل عرقلة للعملية تجد نفسها هذه المرة وجها لوجه مع ضوء أخضر إسرائيلي لبناء 1300 وحدة استيطانية في القدسالشرقية، ورغم هذا التناقض الصارخ سيجد تفاؤل بوش أنصارا كثيرين مثلما ستجد العملية الاستيطانية المتواصلة مؤيدين لها داخل إسرائيل وخارجها أما الخاسر الوحيد فهو - كالعادة - الشعب الفلسطيني. وهناك احتمالان بخصوص محاولة فكّ شفرة تفاؤل بوش فإما أن يكون قد حصل على «ضمانات» من الحكومة الإسرائيلية الحالية أو أيّة حكومة مقبلة لتقديم بعض التنازلات وإما يريد الاستفادة من الواقع الفلسطيني المتشرذم لتمرير حل يفرض على الفلسطينيين. لقد كانت هناك فرص عديدة خلال السنوات السبع الماضية التي قضاها بوش في البيت الأبيض ولكن سياق حربه على الإرهاب فرض طاعة عمياء لما تطلبه إسرائيل و«اجتهادات» قد تكون تل أبيب نفسها لم تفكر فيها مطلقا، وما دام كل ما يقرر في واشنطن لفائدة الدولة اليهودية فإن الإدارة الأمريكية لا خيار لها إلاّ مواصلة انتهاج سياسة محورها الرئيسي إسرائيل ولا أحد غيرها بل حتى النفط وبقية المصالح الأمريكية تأتي في مرتبة ثانوية مقارنة ب«بقاء» إسرائيل. واتضح أنّ فكرة السلام العادل لم تعد سوى ذكرى مقارنة مع ما تم فرضه على أرض الواقع الفلسطيني وعلى المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة وانكفاء كل دولة على حالها ليبقى الفلسطينيون مشتتين بين طموحاتهم وأهوائهم واجتهاداتهم واختلافاتهم. ولعل نظرة عابرة عما تم الاتفاق بشأنه في أوسلو كفيلة بتعرية نوايا إسرائيل حكومة وطبقة سياسية ورأيا عاما لأن التمعن في الأمر الواقع المفروض على الفلسطينيين يوحي بوجود انقلاب فعلي على القضية الفلسطينية. لقد ساهم الكثيرون في هذا الانقلاب وقد لا يلامون بنفس القدر الذي يُلام به قادة فلسطين سواء كانوا في صف «فتح» أو «حماس» أو غيرهما من التنظيمات الفلسطينية لأنهم لم يقدروا حقيقة المخاطر في حين حسبوا ألف حساب للمصالح الضيّقة.