استبق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جولة الاسبوع السادس من حملة السترات الصفراء بالرد على حملة المحتجين معتبرا هذه المرة أنهم على حق وهي المرة الاولى التي يدون فيها الرئيس الفرنسي مثل هذا الموقف على الفايسبوك معلنا أن هذا التواصل سيستمر بشكل منتظم مستقبلا.. ليس من الواضح مدى تأثير رسالة ماكرون على حملة السترات الصفراء ولكن الاكيد أن كلماته أعادت الى الذاكرة ما قاله بن علي قبل ثماني سنوات للتونسيين عندما أطل عليهم عبرالشاشة قبل أن يختار الهروب مع عائلته خارج البلاد.. يومها قال "فهمتكم أي نعم فهمتكم"، ولكن سيتضح أنه لم يفهم شيئا وهو الذي ساهم بخياراته الكارثية في المشهد المتردي في البلاد .. هل من مجال للمقارنة بين ماكرون وبن علي؟ لا نخال المقارنة تستقيم بين من قضى ربع قرن في السلطة بقبضة من حديد معاديا للحريات والانفتاح ومعارضا للاصلاح التربوي ولكل ما يتطلع اليه التونسيون من بناء ديموقراطي، وبين رئيس شاب نشأ ونهل وعاش في أحضان مؤسسات الديموقراطية الفرنسية العريقة التي تعيش اليوم أزمة اجتماعية واقتصادية حادة في خضم اقتصاد العولمة والتحولات الاقليمية والدولية وتداعيات الحرب التجارية.. الاعتراف بالخطإ فضيلة وهذا ما سجله ماكرون بعد أن أدار ظهره للمحتجين طويلا بعد أن أدرك أنهم لن يتراجعوا عن مطالبهم المعلنة في الرخاء في ظل الدولة الفرنسية.. وربما اعتقد ماكرون أنه بذلك يساهم في تهدئة الخواطر وربما تعزيز فرص الحوار مع حملة السترات الصفراء التي تدخل اليوم أسبوعها السادس لتغير حياة الفرنسيين الذين تعودوا في مثل هذه الفترة على الاستعداد لاعياء الميلاد.. وربما اعتقد ماكرون أيضا قبل ذلك أن تدفع عملية سترازبورغ الارهابية حملة السترات الصفراء الى تعديل تحركاتها والتوجه الى التهدئة واعلان هدنة مؤقتة تسمح للحكومة الفرنسية للاتقاط الانفاس.. وهو ما يمكن أن يتضح اليوم ليكتشف الفرنسيون الى اين ستتجه بوصلة السترات الصفراء وما اذا سيتعين اغلاق المعالم السياحية والمتاحف الفرنسية في هذا الموسم تحسبا لتكرار سيناريوهات الاسابيع الماضية "أنتم على حق" كلمات قالها الرئيس الفرنسي وذلك بعد صدور عريضة تحمل توقيع أكثر من مليون شخص عبر الانترنت ترفض الترفيع في حجم الضرائب على المحروقات... وقد يكون الرئيس الشاب الذي اختارالصمت في بداية الازمة تفادي مزيد الاحتقان والتاكيد للفرنسيين على أنه فهم الدرس وأنه مواكب للاحداث والتطورات في الشارع الفرنسي وأنه بالتالي حريص على اصلاح ما يمكن اصلاحه.. "سمعت رسالتكم، وأنا أجيب عليها بشكل مباشر، أنتم على حق".. الاكيد أن ماكرون الذي يرى أن مستقبله السياسي أمامه وأن الكثير ربما ينتظره للفوز بولاية رئاسية ثانية سيكون أمام أحد أهم الاختبارات التي تنتظره لتجاوز الازمة الخانقة واستعادة شعبيته المتردية وهي مسألة لا يمكن أن تتحقق بالخطابات والوعود وستكون مرتبطة ارتباطا جذريا بتحقيق الرخاء والازدهارالذي يطالب به الفرنسيون... فالمشهد الفرنسي لا يعاني من انهيارالمؤسسات الديموقراطية اوتراجع نسق الحريات.. معركة "السترات الصفراء" لا يمكن أن تكون بأي حال من الاحوال عنوان لمعركة الشارع التونسي مهما كان لونها...