لم يكن حوار رئيس الحكومة أمس بمعزل عن واقع الأحداث الاقتصادية والسياسية، سواء في علاقته برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي او بعائلة آل السبسي عموما او في علاقته بحركة النهضة وما احيط بهما من تهم حول علاقة «محرمة» ابى فخامة الرئيس ان يكون لها مستقبل ليزرع حولها من الألغام ما يجعلها قابلة للانفجار في أي لحظة. موقف رئيس الحكومة من قانون المالية ومن الحياة السياسية جاء غامضا ومجانبا للصواب عند البعض وواضحا وصريحا عند البعض الآخر سيما ما راج من نيته الترشح لرئاسة الجمهورية وما احيط حولها من قصص يصلح بعضها كروايات للأطفال قبل النوم، حيث تكفل نداء تونس وخاصة ما تبقى من المحيطين بالمدير التنفيذي حافظ قائد السبسي بكتابة سيناريوهات سياسية»لذيذة» اختص المنسق العام رضا بلحاج بالترويج لها ليكون في اكثر من مرة «محل تندر» من طرف متابعين للشان العام. لقاء رئيس الحكومة على قناة التاسعة استعمل فيها يوسف الشاهد ترسانة من الحجج لاقناع متابعيه بجدوى توجهاته الاقتصادية في قانون المالية ومحاولته الجادة «لأنسنة» ميزانية 2019 رغم المعارضة الشديدة لعدد من الكتل البرلمانية التي لجأت الى الطعن للحيلولة دون تمرير بعض الفصول الواردة بالقانون لتقاطعها واللوبيات المالية التي ستسطر مستقبل المشروع السياسي ليوسف الشاهد. معركة «الباتيندا» لم يكن تدخل يوسف الشاهد على القناة الخاصة بمعزل عن فحوى مداخلته خلال شهر رمضان المنقضي والتي اتهم فيها نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي بالتدخل في شؤون الدولة، اعادة الشاهد لنفس المعطى بالقول «إن سبب الخلاف بينه وبين المدير التنفيذي لحركة نداء تونس أنه يريد أن يتحكم في البلاد كأنها ملك خاص له، مبرزا أنه تصدى لهذه المحاولات وسيواصل تصديه لذلك»، وفق قوله واعتبر الشاهد أن القيادة الحالية لنداء تونس لا تمثل الحزب الذي تأسس وفق قواعد ومبادئ سياسية معينة قائلا «نداء تونس تتحكم فيه مجموعة من الأشخاص بباتيندة، ومؤتمر هذا الحزب خرافة أم السيسي ولو انتظم فسيكون قطوس في شكارة». موقف الشاهد تاكيد واضح على غياب البعد الديمقراطي للمؤتمر القادم والذي انطلق النداء في رسم ملامحه الاولية على الأقل من خلال تعيين رضا شرف الدين والعائد مؤخرا الى الحزب بوجمعة الرميلي في لجنة الإعداد، ادراك الشاهد لغياب الديمقراطية داخل النداء يحمل ذات المضامين التي اشرف عليها الشاهد نفسه ضمن لجنة 13 ومشاركته كرئيس للجنة في مهزلة مؤتمر سوسة 2016، وهو ذات الموتمر الذي فجر النداء الى تكتلات صغيرة انتهت بانقسام الحزب وكتلته البرلمانية. حكومة «اللوبيات» دافع رئيس الحكومة عن خياراته الاقتصادية ففي الوقت الذي يرى فيها متابعون ان حكومة الشاهد ما هي الا حكومة ليبرالية في خدمة رجال الاعمال واللوبيات الاقتصادية، دافع الشاهد عن حكومته بالنفي القاطع،معتبرا ان ما يقوم به وطاقمه الحكومي يندرج ضمن الاقتصاد الاجتماعي حيث الأولوية فيه للطبقات المهمشة والفقيرة واساسا الطبقة الوسطى، موقف الشاهد استعان فيه بترسانة من الارقام والمعطيات المخصصة لخدمة هؤلاء. ورفض الشاهد ما توصف به الحكومة بكونها حكومة في خدمة اللوبيات واعتبر في هذا السياق إن حكومته لا تخدم لوبيات الفساد بل «تركّز على دعم الطبقة الاجتماعية الفقيرة والهشة باتخاذ اجراءات تخص دعم المحروقات والفقراء. واعتبر الشاهد «أن اتهام الحكومة بخدمة لوبيات الفساد يأتي في اطار الشعبوية» واضاف «هناك بعض الأشخاص في البرلمان لا يفهمون من الوضع الاقتصادي شيئا»، وقال إنه لم يتم في قانون المالية 2019 اعفاء أصحاب الشركات التجارية الكبرى من دفع الجباية بل تم تأجيل دفع الجباية». وفِي رده على سؤال متعلق برجال الاعمال استغرب الشاهد مما أسماه «شيطنة» رجال الأعمال، معتبرا أنهم المحرك الرئيسي للاستثمار والتشغيل وشجع رئيس الحكومة على المبادرة الخاصة، مؤكدا أن قطاع الوظيفة العمومية أصبح غير قادر على استيعاب كل العاطلين عن العمل. الشاهد.. النهضة.. ديمقراطية الصناديق على عكس تصورات حزبه نداء تونس وبعض من قيادييها القريبين من المدير التنفيذي سعى الشاهد لتقديم نفسه على انه رجل ديمقراطي يؤمن بصناديق الاقتراع وبخيارات الشعب في انتخاب ممثليه، فقد عمل الشاهد خلال حواره على تقديم الفعل الديمقراطي لتغيير الواقع بعيدا عن زيف المواقف التي انتهجها حزبه نداء تونس من خلال الادعاء بالانقلاب على رئيس الجمهورية، او استعارة الشارع للإطاحة بالحكومة وحلفائها واساسا حركة النهضة. رسالة الشاهد في هذا الباب بدت واضحة بانه لا استقرار دون ديمقراطية وانه لا سياسة دون حركة النهضة وانه لا حكم دون صناديق الانتخاب، ليؤكد عزم الحكومة على اجراء الانتخابات في موعدها دون تاخير وهو ما سعت اليه أطراف من داخل النداء بعد ان لامست حجمها الحقيقي من خلال نتائج سبر الاّراء والتي اكدت جميعها تراجع الحزب ومؤسسيه مقابل صعود متواصل ليوسف الشاهد كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية وحركة النهضة في نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية.