«إننا اليوم أمام ثلاثي أبيض، وهي ظاهرة لن يقبلها الأولياء والتلاميذ والوزارة والأغلبية الساحقة من الأساتذة»... إقرار جاء على لسان وزير التربية حاتم بن سالم أمس تعليقا على الأزمة المستمرة في التعليم الثانوي نتيجة الانسداد الحاصل في المفاوضات ما بين وزارة التربية الوطنية والجامعة العامة للتعليم الثانوي وإصرار الجهات النقابية على مواصلة الأساتذة مقاطعتهم لامتحانات الأسبوع ما قبل المغلق والأسبوع المغلق، طالما لم تتم الاستجابة إلى كافة مطالبهم. إصرار على المضي قدما في مقاطعة الامتحانات ورفض تقديم أي تنازل من شأنه أن يدفع نحو استئناف التفاوض والحوار الرصين والبناء، الذي بدونه لن يكون ممكنا ترقب التوصل إلى أية حلول للمشكلات العالقة بين الطرفين، إصرار غير مفهوم ولا يمكن تبريره مهما كانت مشروعية المطالب والشعارات التي ترفعها الجهات النقابية لكونه يتعمد الزج بأبنائنا فلذات أكبادنا التلاميذ رغم أنوفهم ودون ذنب ارتكبوه سوى كونهم الحلقة الأضعف في المعادلة، والتي يسهل المساومة بها، في أتون صراع لا ناقة ولا جمل لهم فيه وتعريض مستقبلهم الدراسي ومستوى تحصيلهم العلمي لخطر أكيد في وقت كان يفترض فيه أن يكون المربي هو حاميهم والمدافع عنهم بشراسة في مواجهة أية خيارات وسياسات تربوية خاطئة وفي سبيل فرض الارتقاء بمستواهم التعليمي وبمستوى دراستهم في المدارس والمعاهد العمومية. فهل باتت مصلحة التلاميذ هينة إلى هذه الدرجة التي لا يفكر فيها المربون مرتين قبل اتخاذهم كرهينة من أجل تحقيق مكاسب مادية قطاعية - وربما تحقيق أهداف سياسية على غرار إقالة وزير وما شابه، كما حصل في الماضي القريب - على ظهورهم؟ وماذا عن تضحيات الأولوياء الذين يكدون صباحا مساء ويبذلون الغالي والنفيس بكل ما يعنيه ذلك من حرمان مادي، من أجل توفير الظروف الملائمة لأبنائهم للنجاح في مسيرتهم التعليمية؟ فهل تم أخذ ذلك بعين الاعتبار؟ إنه ودون الخوض في مضمون المطالب المرفوعة من جانب الجامعة العامة للتعليم الثانوي ومدى مشروعيتها، لا بد من قولها صراحة أنه ليس بمثل هذا الأسلوب وبمثل هذه الطريقة المتعارضة مع الدستور لكونها تنتهك حقوق التلاميذ وأولويائهم، تُفتك الحقوق وتُحصل المكاسب، وإنه آن الأوان لعودة الجميع إلى الجادة والتحلي بقدر أدنى من روح المسؤولية. بعبارة أخرى، يتوجب على كافة الأطراف المعنية بأزمة التعليم الثانوي أن تدرك أن مزيد التصعيد لا يخدم أحدا وأن الحل الوحيد السالك هو إعادة إطلاق عملية التفاوض... التفاوض الجدي البناء، بعيدا عن التشنج والسباب، وعن المساس بحقوق أبنائنا التلاميذ الذين ينبغي اعتبارهم خطا أحمر يحظر انتهاكه وتجاوزه في أي مناورة كانت.