استمرار التصعيد ومعركة كسر العظام بمعزل عن ردود أفعال التلاميذ وأوليائهم الذين وجدوا أنفسهم محشورين حشرا في أتون صراع لا ناقة ولا جمل لهم فيه لكن هم من يدفعون ضريبته العالية، يبدو أنه الشعار الذي تصر على رفعه نقابة التعليم الثانوي في المواجهة الدائرة بينها وبين وزارة التربية الوطنية على خلفية مطالب مادية للمدرسين. فللأسف، وكما توقعه وخشاه الكثيرون، لم يكف الجامعة العامة للتعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل أمس التأكيد على إصرارها وتصميمها على المضي قدما في مقاطعة امتحانات الثلاثي الأول من السنة الدراسية الحالية إلى حين الاستجابة إلى طلبات الأساتذة... بل وخطت خطوة تصعيدية جديدة من خلال تلويحها بإجراءات نضالية جديدة، لمواجهة ما وصفته ب«أي مساس غير قانوني بأجور المدرسين»، والتأكيد بأنه «ليس لديها أي خطوط حمراء في علاقة بنضالها وسوف تناضل بكل الوسائل المتاحة إلى حين تحقيق مطالب منظوريها». خطاب لا يمكن القول أنه يؤشر إلى نزوع أصحابه للحوار البناء الكفيل بإيجاد حلول وسطية، بقدر ما يبرز اختيارهم المضي في المواجهة إلى الحد الأقصى دون إبداء أي قدر من المرونة أو استعداد لتقديم أدنى تنازل وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد الأزمة الحالية تعقيدا ويدفع بها إلى الهاوية وما لا تحمد عقباه لا قدر الله. هذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال عما إذا كانت القيادات النقابية المنضوية تحت راية الجامعة العامة للتعليم الثانوي تدرك فعلا أبعاد ومخاطر إصرارها على اعتماد هذه الاستراتيجية الخطيرة والتي أبرزت ردود أفعال الأولوياء والتلاميذ معارضتهم ورفضهم لها؟ إنه مع إقرارنا بحق النقابات في الدفاع عن منظوريها لتحسين وضعياتهم المادية والمعنوية، ومع اعتقادنا بأن لرجال التعليم - كما للعديد من العاملين في قطاعات أخرى مختلفة - حقوقا مشروعة تستوجب التعجيل بتسويتها، نرى أن التحركات النقابية في هذا الاتجاه ينبغي أن تلتزم بالمبادئ الدستورية التي تمنع التعدي على حقوق الآخرين... هؤلاء الآخرين الذين أصبحوا رهائن لمعركة طالت أكثر من اللزوم والذين هم في قضية الحال التلاميذ وأولياؤهم... لا بد من وضع خط أحمر فاصل بين المطالبة المشروعة بالحصول على مكاسب مادية، وحق هؤلاء في إجراء سنة دراسية عادية.