في أول تصريح لها منذ انتخابها، قالت رئيسة نقابة عدول الإشهاد في تونس إن الهدف الأساسي من تأسيس النقابة هو الدفاع عن القطاع والمطالبة بالتطوير والإصلاح والارتقاء بالمهنة إلى مستوى المعايير الدولية، والوقوف في وجه المخاطر التي تتهدد عدالة الإشهاد وأهمها التشريعات التي وصفتها ب»المسقطة» من قبل وزارة العدل والمعادية لتصورات أهل المهنة.. يذكر أنه تم يوم الأحد قبل الماضي وفي سابقة هي الأولى من نوعها في قطاع عدالة الإشهاد، الإعلان عن تأسيس النقابة الوطنية لعدول الإشهاد وانتخاب 4 نساء في مواقع قيادية بهيئتها التأسيسية التي تتركب من 9 أعضاء. وتم بالإجماع انتخاب الأستاذة علياء الجمعاوي كرئيسة للنقابة والأستاذة ريم مطيري حربي كنائبة لها. ويعرف قطاع عدول الإشهاد في تونس منذ مدة ليست بالقصيرة حراكا لافتا بسبب حالة الاحتقان والغضب التي عمت أهل المهنة ودفعت الهياكل الممثلة لها إلى التصعيد والبحث عن حلول عاجلة للأزمة التي يمر بها القطاع منذ عدة سنوات، وازدادت عمقا وحدة ووضوحا مع تعطل المشاورات بشأن مشروع قانون أساسي جديد لعدالة الإشهاد بهدف تطوير المهنة وإكسابها الأهمية التي تستحق، وملاءمتها مع التطورات الحاصلة في العالم على غرار ما حصل لجل القطاعات المهنية الأخرى في سلك العدالة. لكن الغموض الذي رافق عملية التفاوض والمشاورات التي تمت مع وزارة العدل بخصوص مشروع القانون لمدة فاقت 8 سنوات، والحديث عن وجود تراجعات عن محاور مهمة تم التوافق حولها على غرار القوة التنفيذية، ترضية لقطاعات مهنية أخرى. وما زاد في تعقيد الوضع أكثر هو تكتم الوزارة ورفضها الكشف عن النسخة النهائية لمشروع القانون. في خضم هذا السياق المضطرب داخل أهل المهنة وبروز نزعة من الشك وفقدان الثقة بين ممثلي القطاع ووزارة الإشراف، تم خلال الأسبوع الماضي تأسيس هيكل جديد يمثل عدول الإشهاد وهو النقابة الوطنية لعدول الإشهاد التي طالبت في أول بيان لها الحكومة بسحب مشروع القانون المتعلق بمهنة عدول الإشهاد، وعدم عرضه على مصادقة مجلس الوزراء. ● ماهي الأهداف من تأسيس نقابة عدول الإشهاد في حين أن لديكم غرفة وطنية منتخبة؟ - كان تأسيس النقابة مطلبا أجلناه كثيرا، فأغلب عدول الإشهاد يرون منذ سنوات طويلة بأن الهياكل الحالية لم تنجح في الدفاع عنهم وفي حمايتهم. كما اكتشفوا بالدليل والبرهان أن الحكومات المتعاقبة ومختلف وزراء العدل لا يقدّرون إلى اليوم حساسية الأزمة التي يعيشها القطاع رغم معقولية مطالب عدول الإشهاد. هدفنا الأساسي هو الدفاع عن القطاع والمطالبة بالتطوير والإصلاح والارتقاء إلى مستوى المعايير الدولية لا غير ولا مطالب مادية لنا من الدولة. ورغم ذلك، فإننا لا نلقى استجابة، بل رفضا نهائيا لفكرة التحديث. هل يعقل أن يمنع عدول الإشهاد من حقهم في استعمال التكنولوجيا الحديثة في عملهم في عصر اقتحمت فيه مختلف الدول عهد «العقد الإلكتروني» وأسست فيه آليات عملية لما يسمى ب»العدل الإلكتروني» منذ سنوات طويلة؟ إن المهنة التي نظمها خير الدين باشا سنة 1875، تعيش لليوم بالآليات العتيقة التي لم تعد صالحة والتي ترفض وزارة العدل التخلي عنها. فالدولة تريد أن يبقى القطاع ضعيفا غارقا في التخلف من حيث إطاره القانوني ومن حيث آليات عمله بالمقارنة مع نظرائه في مختلف دول العالم المتطور منها والمتخلف مما جعل العديد من عدول الإشهاد يغادرونه كل سنة لغياب الآفاق في التحديث والتطوير. وطبعا يبقى هدفنا الأساسي مرحليا هو الوقوف في وجه جميع المخاطر التي تتهدد عدالة الإشهاد وأهمها تلك التشريعات المسقطة من قبل وزارة العدل والمعادية لتصورات أهل المهنة. ● لماذا تعتبرون تصورات الوزارة في ما يتعلق بتطوير المهنة معادية؟ - الأدلة كثيرة، سنوات ونحن نتفاوض معها ولكنها تضع في كل مرة محاضر الاتفاقات الرسمية جانبا وتستنبط مراكز القوى فيها كل مرة مشروعا موازيا جديدا يستهدف مهنتنا ويهمل مطالبها الجوهرية وأهمها على الإطلاق القوة التنفيذية. أذكّر الجميع بالقرار الأخير الصادر عن وزير العدل بتاريخ 19 أفريل 2018 والذي يتعلق بضبط النظام المنطبق على عدول الإشهاد لترصد العمليات والمعاملات المسترابة والتصريح بها. وهو قرار استغل ضعف هياكل المهنة وتخاذلها للتسويق خارجيا لإنجازات وهمية عن طريق استهداف القطاع بمفرده بطريقة غريبة جدا رغم عدم وجود أي موجب لذلك. فكيف تتجرأ الوزارة على إصدار قرار خصوصي بقطاع غير معني أساسا لا بعمليات مسترابة ولا بتبييض الأموال ولا غيرها؟. فعدالة الإشهاد لم يتم ذكرها أبدا بأي من تقارير اللجنة التونسية للتحاليل المالية التابعة للبنك المركزي ولا بأي من قائماتها المتعلقة بالقطاعات التي تشكو مخاطر مرتفعة للعمليات المسترابة. واعتبرته قطاعا نظيفا غير معني بالموضوع ولا مخاطر فيه ومع ذلك تتم إهانته عمدا من قبل وزير العدل السابق الذي سارع بإصدار قرار خاص به لذر الرماد على العيون ليقال أنه اتخذ إجراءات مع التغاضي تماما عن خمسة قطاعات مهمة على الأقل ذكرت بالاسم ودرجة المخاطر في تلك القائمات. إن وزارة العدل تعلم أن عدالة الإشهاد تحظى بثقة عالية جدا من المواطنين التونسيين وفق الاستبيانات التي أجريت في إطار إصلاح المنظومة القضائية ومع ذلك تجرأت على المس من سمعتها واعتبارها ومن كرامة أبنائها لحماية لقطاعات أخرى نافذة. علاوة على ذلك تحاول وزارة العدل منذ سنوات ورغم اعتراضاتنا فرض مشروع قانون جديد للمهنة يعتدي على عدل الإشهاد ويسلبه بعض اختصاصاته ويمنع التحاقه بركب الحداثة نهائيا. والواضح لدينا أن الوزارة لا يهمها أن يقدم عدل الإشهاد خدمات أفضل وأسرع للمواطنين التونسيين وتريد مواصلة استخدام مفاهيم قانونية وآليات بالية من قبل «اتحاد مجلس العقد» والكتابة بخط اليد وبلغة واحدة في حين أنه يتعرض لمنافسة شرسة وغير شريفة من قبل الدولة ذاتها التي تحرر العقود للمواطنين بأبخس الأثمان وتتولى ترسيمها لنفسها. ● ماهي أبرز مطالبكم في القوت الحالي؟ - نطالب باعتبارنا مواطنين بتطوير المهنة كما طُوّرت جميع المهن في تونس وكما طورت عدالة الإشهاد منذ عشرات السنين في جميع الدول الإفريقية من الجزائر إلى ليبيا مرورا بالسنغال والطوغو وغينيا وغيرها. ونفضل أن لا نتحدث عن الدول الأوروبية لأن المقارنة مع وضعنا الحالي يمثل إهانة لتونس وللروح الإصلاحية التونسية. نحن لن نقبل أبدا بأي مشروع لا يتضمن أهم مطالبنا وعلى رأسها القوة التنفيذية، ولن نقبل اعتبارنا مواطنين من الدرجة الثانية ونفضل المحافظة على الإطار القانوني الحالي مع تخلفه على التخلي عن أبسط حقوقنا. والنقابة لا مطالب مادية لها، لم تطالب بمراجعة أجرة عدل الإشهاد رغم أنها تعود إلى سنة 1975 ولم يتم تحيينها منذ سنة 1991، ولا ننوي فعل ذلك لعدم إثقال كاهل المواطن ولأن مقارباتنا وطنية وتبحث عن المصلحة العامة وتعتمد الارتقاء بالمهنة وتطويرها لحل الأزمات التي استفحلت في القطاع ومنها الصعوبات المتراكمة من جراء غياب الاختصاصات والأزمة الاقتصادية الخانقة التي أسفرت وضعا ماديا شديد الهشاشة يعاني منه زملاؤنا كثيرا. ● ألا ترون أنه من الغريب التحدث عن هشاشة وضع مادي بالنسبة لمهنة حرة؟ - إن عدل الإشهاد التونسي يعمل في إطار مهنة حرة ولكنه لا يتمتع في الحقيقة بأي من مزاياها. من المفترض أن تمكنه مهنته من ضمان مستقبله المادي، إلا أن الواقع يثبت أنه أسير مهنة شاقة وخطرة يعاني فيها من عدم استقرار المداخيل وغياب التغطية الاجتماعية وانعدام التقاعد. ولا أدري إن كان وزير العدل الجديد على علم بأن القطاع الذي هو مسؤول عنه لا يتوفر لدى أبنائه الحد الأدنى من مفهوم «الأمن الغذائي»، وأن عدل الإشهاد يعاني من صعوبات في الحصول على قروض كعامة المواطنين نتيجة الانهيار الشامل لوضعه المادي، وأنه باستثناء بعض الحالات القليلة لا يمكن مقارنة وضعه المادي حتى بوضع رفاقه فالذين اختاروا الوظيفة العمومية. وهي مفارقات كبيرة جدا، ألا يفكر الوزير الجديد للحظة في تأثير ذلك على الاستقرار التعاقدي وفي حق حاملي شهائد عليا في القانون في مناخ عمل ملائم كغيرهم من عدول الدول الأخرى وخاصة الإفريقية منها؟. إن قطاعنا يشكو أزمات عميقة جدا ويحتاج إصلاحات ثورية ولا يمكن حلها إلا بوزير عملي ووطني يخدم المصلحة العامة ولا يلتفت للوبيات صلب وزارته لكي يجري إصلاحات جذرية لا مفر منها بالتشاور مع أهل القطاع. ونأمل أن يعي الوزير الجديد ذلك وهي فرصة له لكي يترك أثرا في وزارة تضيق مجالات الإصلاح فيها ويغنينا بذلك عن الحلول الفوقية والترقيعية المعتادة التي لن نقبلها أبدا. لقد أسسنا هيكلا وهو النقابة وأعلن القطاع «قطاعا منكوبا» ولا تكفيه المسكنات بعد دراسة معمقة لوضعه، وسنعمل على جعلها قوية بما يكفي للدفاع عن عدل الإشهاد مهما كان مكان تواجده ومنع الظلم عنه والوقوف ضد التيار العامل على إضعاف المهنة وتقسيمها وانتهاك حقوق أبنائها. ونحن على كل حال منفتحون على كل مبادرة من السلطات العمومية تكفل لعدالة الإشهاد استرجاع جميع حقوقها ولا حواجز لدينا ولا محظورات ومتى قدمت وزارة العدل مقترحات جدية وناجعة فلن نعترض عليها وسندعمها ومستعدون للتحاور حولها بعقول منفتحة.