سيسجل العالم أن سنة 2018 ستظل الأسوأ في ذاكرة المهاجرين والهاربين من جحيم أوطانهم بحثا عن وطن بديل يأمنون فيه على حياتهم، صور اللاجئين وهم يستغيثون بخفر السواحل الايطالية أو غيرها في حوض المتوسط لنجدتهم من موت وشيك.. تماما كما صور الأطفال والرضع وهم ينتزعون من أحضان عائلاتهم على الحدود الأمريكية المكسيكية وغيرها من الصور التي تختزل واحدة من اعقد واخطر الماسي الإنسانية التي أفرزتها الصراعات الدموية والحروب الطائفية والنزاعات التي أنهكت الشعوب وأفقرت الأوطان وصادرت حق الأجيال في الحياة ولو بنصف كرامة.. ولا يبدو أن المجتمع الدولي يمتلك ما يكفي من الإرادة للتعامل معها جديا وتغليب منطق العدالة الإنسانية والحق في الحياة، صورة جثتي رضيعين إفريقيين تم التخلص منهما بإلقائهما في عرض البحر تختزل مأساة لا يبدو لها من نهاية.. الأكيد أن الصورة أعادت إلى الأذهان صورة الطفل الكردي ايلان وهو يجثو على احد الشواطئ التركية التي اهتز لوقعها العالم في حينه قبل أن يزيلها نهائيا من اهتماماته ويعود إلى مشاغله وهمومه اليومية وكأن لا شيء يحدث ... تتعدد الماسي ولكن النتيجة واحدة سفن الموت وسماسرة البشر لا يتوقفون عن ابتزاز ضحاياهم وبث أمل زائف في نفوسهم بأن هناك على الضفة الأخرى ينتظرهم النعيم .. فقد بات واضحا أن صناع القرار لا يعنيهم من قضايا الهجرة سوى تامين حدودهم ومنع عبور المهاجرين غير الشرعيين لحدودهم لينافسوا مواطنيهم على فرص العمل ويتحولوا إلى عبء إضافي للحكومات والأنظمة المعنية ... ورغم كل ما شهدته الأشهر الماضية من مآس تنقلها سفن الموت العابرة للبحار في رحلة البحث عن بلد ثان وجثث الضحايا أو ما بقي منها تتقاذفها أمواج البحر لتلقي بها على الشواطئ إلا أن الأيام الأخيرة المتبقية من العام الذي نستعد لطي صفحاته تأبى الرحيل دون مزيد من الجراح التي من شأنها أن ترحل قضية المهجرين والمشردين في العالم إلى السنة القادمة بل والى العقود القادمة طالما أن الأسباب والجذور المرتبطة بماسي اللاجئين غائبة عن اهتمامات صناع القرار والمعنيين في المكاتب المعزولة للهيئات الأممية والأوروبية وغيرها بتعديل القوانين الجديدة للهجرة .. مؤلمة الصور اليومية المتواترة فيما تبقى من هذه السنة، مؤلمة مظاهر الموت البطيء والاستنزاف الحاصل على وقع التفجيرات الانتحارية والعنف والجريمة التي تتربص بالشعوب وتدفع بها للغرق في مشاعر اليأس والإحباط والبحث عن الحلول الانهزامية الانتحارية.. وقد كدنا نصدق أن تونس بعد الثورة لن تشهد مأساة بوعزيزي ثانية فإذا نحن نستفيق على صدمة جديدة بعد إقدام شاب وهو مصور صحفي على إضرام النار في جسده بعد أن ضاقت به السبل وأعيته الحيل وانتابه اليأس من وجود إرادة سياسية للإصلاح ما يستوجب الإصلاح وإنقاذ الشباب من الضياع والمفاضلة بين الهروب إلى التنظيمات الإرهابية أو اللجوء إلى سفن الموت بحثا عن أمل قد يتحقق وقد لا يتحقق ... وكأن السنة الراهنة 2018 تأبى الرحيل دون مزيد الصور والأحداث المؤلمة فيما بقي من هذه الأيام وكأن حادثة تسونامي اندونيسيا وكل الأحداث الدموية التي يعيش على وقعها العالم لا تكفي حتى جاءت صورة الرضيعين بين أمواج البحر .. إنها لقطة إضافية عن توحش عالمنا إذ وبرغم إصرار قادته على إحياء الذكرى السبعين للميثاق العالمي للأمم المتحدة فان كل الإشارات تؤكد أن الضعفاء والبؤساء يزدادون ضعفا وبؤسا مقابل أقلية من الأقوياء المقتدرين الذين يزدادون قوة ونفوذا وغطرسة..