بدأ العد التنازلي لتوديع سنة واستقبال أخرى. وما تعيش على وقعه البلاد في الآونة الأخيرة من تطورات وأحداث واحتجاجات واضطرابات كفيل بمفرده بتوصيف الحصاد السياسي للسنة التي نودعها حيث كان عام التحولات بامتياز والمنعرج الأخير قبل الدخول في العهدة الخامسة والأخيرة استعدادا للاستحقاقات الانتخابية القادمة. لقد كان شبح الانتخابات القادمة في 2019 حاضرا بقوة في ثنيا التطورات على الساحة السياسية في البلاد على امتداد السنة الحالية. وإن طفت بوضوح حسابات الأحزاب والفاعلين السياسيين في الفترة الأخيرة وأصبح اللعب على المكشوف بين ظفرين إلا أن متابعة سيرورة الأحداث السياسية يؤكد أن هاجس التفكير في الانتخابات كان المحرك الرئيسي لكل خطوات وخيارات وتحالفات مكونات المشهد الحزبي والسياسي كما كان وراء كل الأزمات السياسية التي تعصف بالبلاد حاليا. سنة الانتخابات البلدية بداية سنة 2018 كرست منطق الحسابات الانتخابية في علاقة بالاستحقاق البلدي وكذلك بالانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة فالموعدين مترابطين ونتائج الأول لها تأثير دون شك على الموعد اللاحق. ورغم ما أثير من جدل شغل الساحة حينها عن إمكانية تأجيل الانتخابات البلدية إلا أن تمسك حركة النهضة، التي أثبتت النتائج أنها الحزب الأكثر استعدادا، والتزام رئيس الجمهورية، الذي لم يقطع حينها شعرة معاوية بعد مع حليفه راشد الغنوشي، كانا الضامنين الرئيسيين في إجراء الانتخابات البلدية في موعدها يوم 6 ماي 2018 والأمنيون والعسكريون اقترعوا يوم 29 أفريل 2018. كشفت نتائج الانتخابات البلدية بداية تغيير موازين القوى لصالح حركة النهضة التي استفادت من انقسامات النداء وصراعات شقوقه والانسحابات من الوزن الثقيل مباشرة بعد انتخابات 2014 واحتلت الحركة المرتبة الثانية كما صنع المستقلون الحدث بحيازتهم المرتبة الأولى في الاستحقاق البلدي واعتبر الكثير من المحليين أن صعود المستقلين حمل أكثر من رسالة للطبقة السياسية والأحزاب على اعتبار ان انتخابهم كان ردة فعل على تراجع الثقة في الأحزاب وفشلهم في إدارة خلافاتهم وفي حكم البلاد على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي في المقابل خفف البعض الآخر من إمكانية تهديد المستقلين لمكانة الأحزاب من منطلق أن طبيعة الاستحقاق البلدي وتدخل العلاقة الشخصية والعائلية والقبلية في تحديد اختيار النائب تختلف جوهريا عن ظروف ومحددات الاقتراع في بقية الاستحقاقات الانتخابية.. لكن من المهم الإقرار أن نتائج الانتخابات البلدية كانت محفزا لإمعان التفكير في دوافع خيارات الناخبين ومآلات النتائج ودراستها بعمق من قبل الأحزاب والطبقة السياسية الأمر الذي لم يتم للأسف أو كان محدودا ومحتشما. استقالة رئيس هيئة الانتخابات رغم الإقرار بنتائج الانتخابات البلدية واعتبارها نجاحا آخر يحسب لمسار الانتقال الديمقراطي ولبنة في تكريس الحكم المحلي الذي نص عليه الدستور إلا أن أطراف عديدة عبرت عن عدم رضاها على الظروف التي أجريت فيها وعدم جاهزية الأحزاب إضافة إلى عديد الصعوبات التقنية والمادية التي واجهت الهيئة المستقلة للانتخابات. وهذه العوامل إلى جانب الخلافات الداخلية صلب الهيئة انتهت بإعلان محمد التليلي المنصري استقالته من رئاسة الهيئة المستقلة للانتخابات في 5 جويلية 2018. استقالة ألقت بظلالها على عمل الهيئة التي تتواصل إشكالياتها إلى اليوم في ظل عدم التوصل إلى انتخاب رئيسها وبقية الأعضاء إلى جانب تواصل الجدل بشأن تنقيح القانون الانتخابي المعروض على أنظار مجلس النواب بين من يتمسك ويثمن ضرورة الترفيع في العتبة إلى 5 بالمائة كما أقرها مشروع التنقيح الحكومي ضمانا لعدم تكرار تجربة التشتت البرلماني الذي أثر على عمل السلطة التشريعية وبين معارض لهذا الخيار على اعتباره محاولة من الائتلاف الحاكم لضرب التعددية. وكلها مؤشرات سلبية تثير مخاوف الكثيرين بشأن التداعيات المحتملة على جاهزية الهيئة والحسم في القضايا الخلافية في وقت قريب يسمح بالاستعداد في ظروف مريحة لانتخابات 2019 . دون أن ننسى تواصل تعطيل تركيز المحكمة الدستورية بسبب حدة التجاذبات السياسية تحت قبة البرلمان. وسنودع سنة جديدة دون الحسم في هذا الملف المفصلي الذي ظل نقطة سوداء في مسار الانتقال الديمقراطي. صراع الشاهد ونجل الرئيس لو طلب من أحد اختيار الحدث السياسي الفارق في سنة 2018 أو عنوان رئيسي للحصاد السياسي للسنة الحالية سيكون دون شك «صراع يوسف الشاهد ونجل الرئيس حافظ قائد السبسي». فقد كان الحدث نقطة تحول فارقة كانت لها تداعيات ثلاثية الأبعاد على تماسك النداء الداخلي وعلى علاقة الشاهد ورئيس الجمهورية وعلى علاقة هذا الأخير بحركة النهضة أو تحديدا رئيسها راشد الغنوشي. وتمسك حركة النهضة بالاستقرار الحكومي على حد تعبيرها وبيوسف الشاهد الذي كان المدير التنفيذي للنداء حافظ قائد السبسي يطالب برأسه، كان السبب المباشر في توتر العلاقة بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي. وتتالت ردود الفعل بعد تمسك النهضة بدعم الشاهد حيث أعلن في البداية رئيس الجمهورية عن تعليق العمل بوثيقة قرطاج في 28 ماي بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بشأن النقطة 64 من وثيقة قرطاج2 المتعلقة بمصير رئيس الحكومة. ثم تطور الخلاف بين الشاهد ونجل الرئيس وخرج بأكثر وضوح إلى العلن حين أقدم رئيس الحكومة، في خطوة مفاجئة يوم 29 ماي وفي كلمة وجهها إلى الشعب التونسي عبر القناة الوطنية، على تحميل حافظ قائد السبسي المسؤولية في تدمير نداء تونس على حد تعبيره وقيادة الحزب إلى هزائم انتخابية، محمّلا إياه مسؤولية خسارة ثلث أعضاء كتلة نداء تونس في البرلمان والهزيمة في الانتخابات الجزئية التي جرت في دائرة ألمانيا، وتراجع الحزب في الانتخابات البلدية ما جعل الحزب، يخسر موقعه كقوة حزبية أولى في البلاد. في الأثناء بدأت تتضح أكثر توجهات الشاهد إما لإبعاد نجل الرئيس وقيادة النداء أو التوجه إلى إنشاء مشروعه السياسي لا سيما بعد تشكل كتلة الائتلاف الوطني كحزام للحكومة في البرلمان. إعلان نهاية التوافق وفي خطوة أخرى مفاجئة ودائما في سياق ردود الفعل بشأن الخلاف حول بقاء الشاهد أعلن رئيس الجمهورية على قناة الحوار التونسي في 24 سبتمبر عن نهاية التوافق مع النهضة بعد تمسكها بالشاهد كحليف جديد لها للمرحلة المقبلة.ودعا رئيس الجمهورية الشاهد للذهاب إلى البرلمان لتجديد الثقة. ولعل شرارة التحولات التي زحزحت مرتكزات المشهد والتوافق بين النداء والنهضة الذي طبع وحكم البلاد اثر انتخابات 2014، كانت بدايتها مع مجريات الانتخابات الجزئية في ألمانيا في ديسمبر 2017 ونتائجها غير المنتظرة بفوز ياسين العياري وسقوط مرشح النداء. والجميع يتذكر ردود الفعل المتشنجة من قبل نداء تونس تجاه حليفه في الحكم حركة النهضة ضمنها في بيان بالمناسبة ومنذ ذلك التاريخ بدأ الحديث عن نهاية التوافق والحشد للمحطات القادمة على قاعدة أن التحالف مع النهضة أصبح من الماضي وإعلان الدخول في مرحلة التعايش. وتأكد مع مرور الوقت التوجه نحو خيار «الطلاق» بين الحليفين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي في انتظار ما ستكشفه الأيام القادمة في ظل الحديث عن وساطات داخلية وخارجية بين الشيخين. النداء رسميا في المعارضة وانتهى مسلسل القطيعة بين يوسف وإخوته النائيين إلى انتقال نداء تونس إلى ضفة المعارضة وتأكد ذلك بعد إعلان الشاهد عن التحوير الوزاري في 5 نوفمبر الذي وصفه الندائيون بتحوير تأكيد التحالف بين الشاهد والنهضة واعتبار الحكومة حكومة النهضة رغم تمسك وزراء النداء بالبقاء في الحكومة وعدم الاستجابة لدعوتهم للانسحاب من قبل المدير التنفيذي للحزب. وتسارعت الأحداث في سياق الحرب المعلنة من النداء على يوسف الشاهد ولعل أبرز محطاتها تلك المتعلقة بتصريح سليم الرياحي من باريس في 23 نوفمبر على قناة «فرنس24» واتهامه يوسف الشاهد بمحاولة الانقلاب على رئيس الجمهورية . تلملم السنة ما تبقى من أيامها إيذانا بالرحيل لكن لا تبشر ساعاتها الأخيرة الحبلى بمزيج من الصراعات السياسية والحزبية والاحتقان والغضب القطاعي والشعبي بسنة قادمة أفضل تلوح منذ الآن ساخنة سياسيا ومفتوحة على كل السيناريوهات ولن تكون هادئة في كل الأحوال لا سيما في ظل المخاوف من الدفع باتجاه تأجيل انتخابات 2019. ◗ منى اليحياوي تواريخ وأزمات - 6 ماي: إجراء الانتخابات البلدية والأمنيون والعسكريون اقترعوا يوم 29 أفريل 2018. - 28 ماي: رئيس الجمهورية يعلق العمل بوثيقة قرطاج بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بشأن النقطة 64 من وثيقة قرطاج2 المتعلقة بمصير رئيس الحكومة. - 29 ماي : تطور الخلاف بين الشاهد ونجل الرئيس وخرج بأكثر وضوح إلى العلن حين أقدم رئيس الحكومة، في خطوة مفاجئة وفي كلمة وجهها إلى الشعب التونسي عبر القناة الوطنية، على تحميل حافظ قائد السبسي المسؤولية في تدمير نداء تونس. - 5 جويلية: محمد التليلي المنصري يعلن استقالته من رئاسة الهيئة المستقلة للانتخابات. - 24 سبتمبر: في خطوة أخرى مفاجئة ودائما في سياق ردود الفعل بشأن الخلاف حول بقاء الشاهد أعلن رئيس الجمهورية على قناة «الحوار التونسي» عن نهاية التوافق مع النهضة بعد تمسكها بالشاهد كحليف جديد لها للمرحلة المقبلة. ودعا رئيس الجمهورية الشاهد للذهاب إلى البرلمان لتجديد الثقة. - 5 نوفمبر : إعلان الشاهد عن التحوير الوزاري والنداء يلتحق بالمعارضة حيث وصفه الندائيون بتحوير تأكيد التحالف بين الشاهد والنهضة. - 23 نوفمبر: تصريح سليم الرياحي من باريس على قناة «فرنس24» واتهامه يوسف الشاهد بمحاولة الانقلاب على رئيس الجمهورية.