ظل الاهتمام بالشباب التونسي ما بعد الثورة حبيس الصدفة أو المناسبة. وغالبا ما تكون هذه المناسبة «مأساوية» للاسف. فنحن لا نطرح مشاغل الشباب ووضعه الاجتماعي والمادي والنفسي ويصبح لفترة وجيزة حديث بعض الساسة وعدد من المنابر الإعلامية إلا متى سجلنا فاجعة إما حادثة «حرقة» يبتلع البحر فيها من يبتلع وينجو من كتب له عمر آخر ربما لمحاولة أخرى، أو إذا ما عمد أحد الشباب إلى احراق نفسه وتسجيل حالات انتحار ومحاولات انتحار متزامنة، أو عند اندلاع موجة احتجاجات في عدد من الجهات يخرج فيها الشباب عادة للتظاهر والتعبير عما بداخله من احتقان وغبن وغضب، ولكل من هؤلاء طريقته في الإحتجاج، فحتى مظاهر التخريب والفوضى وإن كانت مدانة فهى طريقة البعض من شبابنا في التعبير تحمل في طياتها الكثير من الدلالات عن مأس اجتماعية أخرى كالانحراف وأزمة القيم والأخلاق في المجتمع والانقطاع المبكر عن الدراسة والتفكك الأسرى وغيرها من الملفات الحارقة المنسية ولا مجال للتوسع فيها في هذه الأسطر. هذا الإهتمام «المناسباتي» بالشباب عمق الفجوة بينه وبين السلطة والنخبة ما بعد 14 جانفي وكرس الإحساس باليأس والإحباط لدى جل الشباب وحولهم من طاقة وشريحة حيوية وثروة حقيقية للدفع بالبلاد إلى الأمام إلى عبء وعنصر عدم استقرار وفئة يتملكها اليأس وانعدام الثقة في المستقبل. ولعل ذلك ما يترجمه على أرض الواقع تدني نسب اقبال الشباب على الشأن العام وعلى المشاركة السياسية وعلى الإقتراع. وتراجع ذلك الزخم الشبابي الثوري الحالم بالاصلاح والكرامة والشغل وبتونس أفضل لصالح حالة من الإحباط تتفاقم بمرور الوقت وتتجسد أخطر مظاهرها في هجرة كفاءات وطاقات استثمرت فيها المجموعة الوطنية لتفرط فيها فيما بعد لصالح شعوب وأمم أخرى. لكن حتى لا تكن نظرتنا سوداوية موغلة في التشاؤم نستطيع الإقرار بأن الأمل مازال قائما مع وجود جزء من شبابنا ورغم الخيبات على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي إلا أنه مازال يؤمن بمسار ثوري سرق ولم يكتمل ونجده يعافر من أجل استرجاعه وتصحيح مساره. ولاحظنا ذلك في بعض التحركات الشبابية المناهضة لعدد من الخيارات ما بعد الثورة تتشكل من حين لآخر للتعبير عن مواقفها الرافضة لبعض التوجهات على غرار حملة «مانيش مسامح» وحملة «فاش نستناو»... وهي محاولات لشباب يبحث عن التعبير عن نفسه بنفسه في ظل انعدام ثقتهم في النخبة الحالية التى يراها جل الشباب ساعية لطموحاتها الشخصية وتحكمها المصالح والحسابات السياسية والحزبية الضيقة غير عابئة لا بهموم الشباب ولا باستحقاقات الوطن. ولعل هذه الصورة حول السياسيين المتعاقبين على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي هي التى دفعت مؤخرا عدد من المنظمات والجمعيات الشبابية المؤمنين بتصحيح المسار إلى إطلاق مبادرة تمثلت في تأسيس"المجلس الأعلى للشباب". حيث دعا المؤسسون في بيان شباب تونس إلى التنظم والالتحاق بهذه المبادرة لاسترجاع بلاده والأخذ بزمام الأمور والقرار وذلك عبر «التعويل على الذات في وقت عجزت فيه الطبقة السياسية على تحقيق مطالبه، واقتحام مواقع صنع القرار من خلال المشاركة في الشأن العام ودعم تمثيليّته فيها». بادرة ودعوة تحمل الكثير من الأمل لإعادة الإعتبار للشباب في القيادة وفي الأحزاب وفي الحياة السياسية وفي تحديد مصيره وخيارات المستقبل لا سيما ونحن على أبواب سنة انتخابية تبدو مفصلية في مسار الانتقال الديمقراطي وفي مسيرة البلاد برمتها... إن أمة جزء من شبابها محبط وجزء آخر ممزق بين الياس والامل وبين الموت والحياة.. لن تذهب بعيدا