وصف رضا شلغوم وزير المالية أمس خلال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب المنعقدة بقصر باردو مشروع القانون الاساسي للميزانية بأنه «دستور المالية» فهو يضبط قواعد وصيغ إعداد قانون المالية وتقديمه والمصادقة عليه وتنفيذه، ويحدد طرق مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة وتقييم نتائجها وتعديلها وغلقها. وأضاف أن اعداد هذا المشروع انطلق منذ سنة 2004 اي في عهد وزير المالية السابق رشيد كشيش وتم تقديمه لمجلس نواب الشعب سنة الفين وخمسة عشر أي في عهد المرحوم سليم شاكر. وأكد شلغوم أن المشروع هو أحد أهم الاصلاحات الكبرى لإعادة بناء منظومة هياكل الدولة من خلال قواعد تنظم عمليات التصرف العمومي من حيث الخيارات والبرمجة والتقييم. وذكر الوزير أن هذا المشروع ليس مجرد نص قانوني، بل هو إطار جديد لتعصير وتطوير الادارة وهياكل الدولة بصفة عامة، وهو ينبني على رؤية جديدة للمرفق العمومي كما انه تجسيد لمبادئ الشفافية والمساءلة والحوكمة، وجاء ليكرس المبادئ التي أتى بها دستور 2014 من سعي الى ضمان التوازن بين السلط وتعزيز للدور الرقابي لمجلس نواب الشعب من خلال المساهمة الفعلية في توجيه السياسات العامة اضافة الى تكريس استقلالية الهيئات الدستورية لتقوم بدورها كاملا في اطار تشاركي. ويرى وزير المالية أن الخصوصية في هذا المشروع هو ان السلطة التنفيذية هي التي تقدمت به في حين جرت العادة في بلدان اخرى ان يقع تقديم مثل هذه القوانين من قبل مجلس النواب في شكل مبادرات تشريعية وذلك لافتتاك جانب من السلطة الرقابية والسلطة في مجال حوكمة المالية العمومية، لكن مشروع القانون في تونس جاء بإرادة مشتركة بين الحكومة ومجلس نواب الشعب. هيكلة جديدة فسر رضا شلغوم أن الهيكلة الجديدة التي ستبنى عليها الميزانية والتي ترتكز على سياسات وبرامج واهداف ونتائج يمكن متابعتها وتقييمها، ستجعلها وثيقة مقروءة من الجميع وهو ما يسمح للمواطنين بالاطلاع على السياسات العمومة ويعزز مفهوم المواطنة ويرسخ مبادئ الديمقراطية. وذكر الوزير أن النواب سبق لهم أن تساءلوا عن الرابط بين المخطط والميزانية وأن تحدثوا عن غياب الرؤية، لكن اليوم وبالقانون الجديد ستقدم الميزانية على ثلاث سنوات والمسؤول على البرنامج ستقع محاسبته على الاداء امام المشرف او امام البرلمان او امام الهياكل الرقابية. واضاف ان دخول القانون حيز التطبيق حال المصادقة عليه ودون المرور في مرحلة تجريبية باستثناء بعض المحاور ذات العلاقة بالنظام المحاسبي الجديد والنظام المعلوماتي، يمثل تحد كبير أمام الادارة وكل المتدخلين في المجال، وذكر أن تفعيل ما تضمنه القانون الاساسي الجديد من اصلاحات عميقة سواء على المستوى السياسي في أو على مستوى التصرف في المال العام أو على المستوى الرقابي أو الانظمة المعلوماتية سيتطلب تضافر جهود الجميع من مؤسسات وهياكل دولة وبرلمان وهيئات رقابية. وردا على مطالب نواب الشعب المتعلقة بإعداد الموارد البشرية ووضع المنظومات المعلوماتية اللازمة لضمان تطبيق القانون الاساسي الجديد للميزانية، أكد شلغوم انه في علاقة بتكوين الموارد البشرية قامت الوزارة بتكوين دفعتين من المكونين في مجال التصرف في الميزانية، وقد أمن هؤلاء عددا هاما من الدورات التكوينية في مخلف الوزارات والهياكل وتم تأطير المتدخلين عند اعداد وثائق الاداء. كما تم القيام بعدد من ملتقيات لفائدة عدد من الوزارات والجامعات و القضاة الماليين وشارك فيها خبراء من تونس ومن الخارج وهي حول مضامين مشروع القانون. والى جانب ذلك تم على حد تأكيد وزير المالية اعداد خمسة وعشرين وحدة بيداغوجية حول مشروع القانون الاساسي للميزانية الجديد، من اعداد الميزانية وتنفيذ الميزانية والمحاسبة العامة والمعايير المحاسبية ومراقبة الميزانية، وتم تكوين 12500 اطار من رؤساء البرامج ورؤساء البرامج الفرعية والمجتمع المدني والاعلاميين المختصين. وبالنسبة الى تحيين النظام المعلوماتي تم الانطلاق منذ البداية في العمل على اعداد كراسات الشروط، وقد واكب النظام المعلوماتي التجربة النموذجية التي شملت خمس وزارات. وفسر وزير المالية انه سيقع تعميم النظام المعلوماتي المتعلق بالأداء على كل الوزارات خلال السنة الجارية. اما النظام المعلوماتي الانتقالي فتم على حد قوله الانتهاء من ادراج التعديلات اللازمة على منظومة اعداد الميزانية وأكد انه يمكن الشروع في اعداد مشروع ميزانية 2020 وفق أحكام القانون الأساسي الجديد بعد المصادقة عليه وسيتم الانتهاء من ملاءمة منظومة تنفيذ الميزانية قبل نهاية 2019 لتكون جاهزة للاستغلال بداية من سنة 2020. اما النظام المعلوماتي النهائي فستدخل كل احكام المشروع بعد انتهاء المرحلة الانتقالية سنة 2022 و بعد الانتهاء من تركيز متطلبات مسك المحاسبة ذات القيد المزدوج والمصادقة على قوانين المالية سنة 2023. وطمأن رضا شلغوم نواب الشعب وأكد لهم أنه تم الشروع في تصميم النظام المعلوماتي الجديد ليكون جاهزا في الآجال المحددة بالنسبة لكل مكون. وفسر لهم ان الوزارة عملت على اعداد خطة عمل واضحة بما يساعد على تكريس احكام القانون الجديد. وأضاف وزير المالية انه تم اعداد التوجهات الاستراتيجية لتطوير النظام المحاسبي ووقعت المصادقة عليها، كما تم اعداد المعايير المحاسبية من قبل المجلس الوطني لمعايير الحسابات العمومية وشارك في هذا العمل أساتذة جامعيون وخبراء، واضافة الى ذلك تمت المصادقة على الاطار المرجعي للمعايير المحاسبية. وردا على النواب الذين قالوا ان العمل بالقانون الاساسي للميزانية يستوجب بالضرورة تنقيح مجلة المحاسبة العمومية قال شلغوم انه يشاطرهم هذا الرأي اذ ادخل مشروع قانون الميزانية تغييرات جوهرية على مجال مسك حسابات الدولة واعادة النظر في الرقابة على النفاقات وهو ما يقتضي اجراء مراجعة شاملة للمجلة، وأضاف ان توسيع مجال تطبيق المحاسبة العمومية بإدراج المؤسسات الدستورية والهيئات المستقلة واعداد تصنيف المتدخلين في تنفيذ الميزانية ومراجعة نظام مسؤولية المحاسبين العموميين يتطلب مراجعة مجلة المحاسبة العمومية. ففي مشروع القانون الجديد تم ادراج مفاهيم المحاسبة الميزانياتية ومفاهيم المحاسبة العامة ومحاسبة تحليل كلفة البرامج وتحديد قواعدها. وذكر الوزير ردا على النواب الذين تساءلوا عن جدوى التصرف في الميزانية حسب الاهداف أنها آلية من آليات مكافحة الفساد وتدعيم الشفافية وارساء مبادئ الحوكمة بما يمكن من تيسير مراقبة الانفاق العمومي والتحكم في النفقات العامة. وتفاعلا مع النواب الذين تحدثوا عن مرافقة نظام التصرف في الميزانية حسب الاهداف مع تعبئة موارد الدولة أشار الوزير الى أن ارساء ثقافة تقييم النتائج سيشمل مهمة تعبئة الموارد سواء الجبائية او الموارد المتأتية من المؤسسات العمومية اوالمتأتية من املاك الدولة. وأضاف الوزير ردا عن استفسار طرحه النائب سالم لبيض حول الصناديق الخاصة ان صناديق الخزينة تشمل الحسابات الخاصة للخزينة وحسابات مال المشاركة وهي تحدث وتلغى بمقتضى قانون المالية وتخضع لنفس آليات الشفافية. وتعقيبا على ملاحظات بعض النواب الذين قالوا انهم لم يرو اثرا لمشاريع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في مشروع القانون الاساسي للميزانية بين وزير المالية أنه لم يقع التنصيص على الشراكة في مشروع القانون بصفة صريحة لكن المشروع نص على تقديم تقرير سنوي حول المشاريع الممولة عن طريق الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وهو فرصة للرقابة البرلمانية على هذه المشاريع. وبذلك أجاب وزير المالية عن اسئلة النواب التي تمحورت حول كيفية مساهمة مشروع القانون الاساسي للميزانية في دعم مبادئ الحوكمة الرشيدة ونجاعة التصرف في المالية العمومية وحول كيفية اعداد الموارد البشرية ووضع المنظومات المعلوماتية للنظام المحاسبي بما يضمن تجسيد اهداف مشروع القانون المقترح.