مثل عرض التقرير السنوى لمؤسسة الموفق الإداري مناسبة مهمة للتذكير بموضوع آخر مهمل على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي بين ثنايا الصراعات الجانبية والحسابات الحزبية وحروب التموقع ألا وهو وضع الإدارة التونسية ومسألة الإصلاح الإداري. وزيادة على ما كشفه تقرير الموفق الإداري وتوصياته المرفوعة، من تجاوزات وإخلالات إجرائية وتعطيلات، فإن التواصل اليومي مع مختلف إداراتنا ومؤسساتنا العمومية وما ترصده تقارير المراقبة وأيضا تشكيات المواطنين والباعثين والمستثمرين عبر هياكلهم وفي المنابر الإعلامية كفيل بمفرده بالإقرار بأن إدارتنا مريضة وأن التفكير الجدي في معالجة النقائص والإصلاح والتعصير تأخر كثيرا. صحيح أن الحديث عن الإدارة التونسية مباشرة بعد الثورة كان حماسيا في مجمله مشيدا بعراقتها وحفاظها على سير دواليب الدولة في تلك الظروف الدقيقة وذلك الفراغ الأمني والسياسي، دون أن يعني ذلك أنها لم تكن تشوبها نقائص واخلالات وحاجة للإصلاح، لكن هذه الإدارة نفسها بنقاط قوتها وعلاتها أصابها ما أصاب الكثير من القطاعات والمجالات بعد الثورة من تقهقر وإكراهات وخيارات مستعجلة وغير مدروسة وخاطئة أحيانا، عمقت مشاكلها وأثرت على آدائها ونجاعتها. لقد صرح رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد بأن «الإدارة في تونس مريضة وتستلزم الكثير من الدواء وربما عمليات جراحية» كما تحدث قبله وبعده الكثير من المسؤولين عن الإصلاحات الكبرى المطلوبة على أكثر من صعيد وفي مقدمتها الحاجة الملحة والعاجلة للإصلاح الإداري على اعتباره مدخلا مهما لمعالجة ملفات وإشكاليات أخرى منها الحد من الفساد ودفع التنمية في الجهات وتحقيق حلم الإقلاع الاقتصادي. لكن للأسف لم تنطلق الإصلاحات وظلت مجرد وعود ورغم إحداث وزارات وخطط للإصلاح الإداري والوظيفة العمومية لم يتغير الوضع كثيرا بل ربما زاد سوءا في ظل المناخ المتأزم وعدم الإستقرار السياسي والتغيير المستمر للحكومات. وبمرور الوقت وبطء الإصلاحات تتعمق الصورة السلبية على مستوى الإدارة التونسية وخدماتها التي عادة ما توصف بارتفاع منسوب التسيب وغياب الانضباط والبيروقراطية العقيمة ومزيد تكريس عقلية الولاءات والأجندات الحزبية والسياسية على حساب الكفاءة إلى جانب انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية في المعاملات. وتبدو هذه الصورة للإدارة التونسية اليوم حجر عثرة أمام الاستثمار المحلي والأجنبي على حد السواء وأمام معالجة اشكاليات وتحديات كبرى تواجه الاقتصاد والدولة على غرار دفع نسق الاستثمار والتنمية الجهوية وتفعيل مبدأ التمييز الإيجابي وتشجيع المستثمرين والباعثين الشبان على الانتصاب للحساب الخاص والمساهمة في معالجة معضلة البطالة. إن الاتفاق حاصل بين الجميع شأن تشخيص أمراض الإدارة التونسية في انتظار العلاج الذي تأخر كثيرا.