بقدر ما يعتبر الاصلاح بوصفه توجّها و"فلسفة" و"أداة" تصحيح و"معالجة" لكلّ أشكال النّقائص والاخلالات الاداريّة والتّنظيميّة المتوارثة الّتي تحول دون التّطهير والتّطوير والارتقاء بالأداء داخل المؤسّسات والمواقع والادارات والقطاعات والهياكل بمختلف اختصاصاتها ضرورة وليس خيارا.. بقدر ما أنّ اعتماده "كآليّة" يجب أن يكون من منطلقات مقاصديّة اصلاحيّة بيّنة لا علاقة لها بالرّغبة في "تصفية الحسابات" لا مع شخص (موظّفا ساميا كان أو مسؤولا) ولا مع سلك أو قطاع بعينه.. نقول هذا اعتبارا -من جهة- لأهميّة وضرورة ووجوب الأخذ بالاصلاحات اللاّزمة والضّروريّة دونما تردّد أو تلكّؤ كلّما اقتضت الحاجة والمصلحة الوطنيّة العليا ذلك.. ونقوله -أيضا- حتّى لا يستشعر -من جهة أخرى- "أحد" أنّه مستهدف -ربّما- فيضع نفسه أو السّلك الاداري أو الوظيفي الّذي ينتمي اليه -ولو من حيث لا يريد- في موقف "المعادي" أو الرّافض للمدّ الاصلاحي -في نظر الرّأي العام الوطني-. وما من شكّ أنّ الاصلاح في معناه الشّامل والهيكلي يمثّل أحد الأهداف الكبرى الّتي قامت من أجلها ثورة 14 جانفي التّاريخيّة على اعتبار أن "سرطان" الفساد بمختلف أنواعه كان قد استشرى في أوصال الادارة التّونسيّة بمختلف أجهزتها ومصالحها زمن حكم المجرم بن عليّ وكاد يأتي -بالكامل- على ما تبقّى من قيم النّظام الجمهوري ودولة المواطنة والحقوق والمساواة أمام القانون.. فالتّهميش الاجتماعي والبطالة والفقر والرّشوة والمحسوبيّة وغياب التّنمية في الجهات المحرومة والأكثر فقرا بل وحتّى القمع البوليسي وانتهاك حرمات المواطن والتّعدّي على حقوقه وحريّاته ليست فقط نتيجة اختيارات تنمويّة وسياسيّة واجتماعيّة لا وطنيّة بل هي أيضا -وفي جانب منها- من تجلّيات واقع الفساد الّذي كانت ترزح تحته الادارة التّونسيّة وأجهزة الدّولة زمن حكم المجرم بن عليّ.. لذلك فانّ تحقيق أهداف الثّورة والارتقاء بمستوى العيش وصون كرامة التّونسي وحقوقه والقطع مع الفساد والاستبداد يبقى في النّهاية رهين تنفيذ اصلاحات شجاعة سواء في صلب الادارة التّونسيّة أو على مستوى الاختيارات والسّياسات.. من هنا تحديدا يكون الأخذ بالاصلاحات ضرورة وليس خيارا..