لم تفلح مساعي التدخل لتقريب وجهات النظر ولا التصريحات والمناخ الإيجابي نسبيا الذي سبق جلسة التفاوض أمس بين الوزارة ونقابة التعليم الثانوي، برعاية المكتب التنفيذي للمنظمة الشغيلة، في وضع حد لأزمة استعصت وأرقت الجميع وفي مقدمتهم أولياء وتلاميذ يتأكد يوميا أنهم رهائن إلى أن يأتي ما يخالف ذلك. ولعل الظروف التى استبقت بسويعات جلسة التفاوض وما استجد من محاولة اقتحام لمكتب وزير التربية وانفضاض الجلسة بعد 35 دقيقة فقط من انعقادها، فيها ما يكفي للإقرار أن الأزمة تجاوزت كل الخطوط الحمراء وأن ما يتداول من تسييس للملف واقحامه في حسابات لا علاقة لها بالمطالب النقابية الصرفة بدأت تتضح معالمه بمرور الوقت. إن خروج المفاوضات اليوم من دائرة الدفع باتجاه الحل إلى الدفع باتجاه التصعيد ونقطة اللاعودة أصبح مخيفا لا سيما بالنظر إلى ما يخيم على الأزمة من مناخ محتقن في صفوف الأولياء الساخطين الغاضبين خوفا على مستقبل أبنائهم وكذلك التلاميذ الذين خرجوا في مسيرات احتجاجية الأسبوع الفارط، مرت بسلام ودون تداعيات والحمد لله، لكن مع تواصل الفشل في كل مرة في إيجاد مخرج وأرضية التقاء لنزع فتيل الأزمة فالمسألة تظل مفتوحة على كل الإحتمالات. لقد تضررت كثيرا صورة الاساتذة ونقابتهم بتواصل الخلاف وتشعبه وبسبب شبح السنة البيضاء الذي لن تقبل به العائلات تحت اي عذر من الأعذار، وهنا قد يدفع الفاتورة الأكبر المربون خاصة مع وجود حملات شيطنة، بعضها أو كثيرها متعمد لكنه تسلل للأسف إلى وجدان أغلب الأولياء المتوجسين خيفة على مصير أبنائهم والرافضين قطعيا أن يتحولوا إلى "رهائن" لمطالب نقابية ولو كانت على قدر من المشروعية. والأخطر ايضا في هذه الأزمة أن تتحول مقايضة مصير السنة الدراسية والتلاميذ بالاستجابة إلى المطلبية النقابية إلى سنة أو عدوى تتسلل إلى بقية القطاعات والنقابات في ظل ما عبر عنه أمس اتحاد الأساتذة الجامعيين والباحثين التونسيين "إجابة" عن نية منظوريه مقاطعة امتحانات السداسي الثاني عبر امتناعهم عن إعطاء مواضيع المراقبة والامتحانات. إن اتساع دائرة أزمة الثانوي وتشعبها والتمترس وراء خيارات التصعيد وسياسة كسر العظام لن تفيد أحدا، وإن لا تُستثنى الحكومة من دائرة الخاسرين لأنها فشلت في تجنب خيارات التصعيد، إلا أن الأساتذة ومن خلفهم المركزية النقابية يبدوان الأكثر تضررا اليوم من "تعنت" اليعقوبي. ولن يكون هناك مخرج آخر لنزع فتيل الخلاف إلا الجلوس على طاولة الحوار بإرادة التفاوض الجاد والإلتزام بأسس العلاقة التاريخية بين الطرفين الحكومي والنقابي المبنية على قاعدة الشراكة لا على قاعدة "العداء".