لم يعد الحديث عن استعمال أجهزة الدولة لإنجاح تصورات الحزب الجديد لرئيس الحكومة مجرد "فهلوة" سياسية من الاحزاب المنافسة، حيث تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن التونسيين إزاء تجربة مشوهة لتلك التي عهدها من التجمع الدستوري الديمقراطي أو من "نداء تونس" قبل الانتخابات البلدية 2018. فتدخل الدولة لاح واضحا بداية من إسناد الترخيص لحزب الشاهد والذي حمل شعارا وطنيا خالصا، حيث أن "تحيا تونس"هي في الواقع إثبات لانتماء التونسيين لهذه الأرض وهو الشعار الذي استعمله جنودنا البواسل في معركة بن قردان ذات شتاء ضد طيور الظلام من الدواعش، كما استعمله أبطال معركة متحف باردو ذات صيف بعد الاقتحام المسلح للمتحف، وهو أيضا الشعار الذي ترفعه المنتخبات الوطنية قبل كل مباراة للتأكيد على أنه لا ولاء إلا لتونس وأنه لا أحد يحيا قبل أو بعد تونس. فرفع شعار تحيا تونس هو للتونسيين وما استعماله كعنوان للحوانيت السياسية الا ضربا لمفهوم الوطنية عموما، وتاكيدا على ضعف التصورات الإبداعية في التسويق السياسي لرؤية حزبية. هكذا امر دفع بجمعية المحامين الشبان الى حشد الطاقات من اصحاب العباءات السوداء للحيلولة دون استعمال شعار"تحيا التونس"، الذي تحول من شعار جامع لكل التونسيين دون استثناء ودون ألوان الى شعار"سكتاري" (sectaire) مغلق لا يهم إلا أصحاب "الباتيندا الجدد"، وقد أصدرت الجمعية أول أمس الأحد بلاغا عن " اعتزامها رفع قضية بخصوص تسمية أحد الأحزاب الجديدة "تحيا تونس" والتي تعتبر شعارا وطنيا لكل التونسيين وليس حكرا على حزب معين". وفِي هذا السياق دعا المكتب التنفيذي للجمعية كل الراغبين من المحامين إلى "الالتحاق باللجنة المعدة للغرض". وفِي واقع الامر، فإن تداخل الدولة بالحزب الجديد لم يكن فقط على مستوى الرخصة والتسمية، بل وفي الاستغلال المفرط لاعضاء الحكومة ومختلف مكونات الادارة التونسية. فالحضور الوزاري أول أمس بالمنستير خلال إعلان اسم الحزب وما أحيط به من حفل كبير قدم تأكيداً على أننا إزاء استعمال فاضح لوسائل الدولة في محاولة مكشوفة للتأثير على الرأي العام. فحضور الوزراء وكتاب دولة وكاتب عام الحكومة ومديرين عامين ورؤساء إدارات جهوية من شأنه أن يدفع بالمنافسين السياسيين إلى اعتباره مقدمة لفساد محتمل من خلال استغلال موظفي الدولة صفاتهم الرسمية تلك لتحقيق كسب خاص، وإذا كان القانون يعاقب الكسب المادي غير المشروع لموظفي الدولة، فما بالك بالكسب السياسي؟ وكانت حركة «النهضة» عبرت إبان الدورة الرابعة والعشرين لمجلس شورتها عن "أهمية الاستقرار الحكومي لمجابهة المخاطر والتحديات الماثلة وضمان المناخ الملائم لاستكمال المسار الديمقراطي مع الالتزام التام بتحييد أجهزة الدولة ومؤسساتها وفي مقدمتها رئاسة الحكومة عن التوظيف الحزبي"، كما نبه المجلس إلى ضرورة "تجنب خطاب الاستقطاب الذي لا يساعد على بناء الثقة المتبادلة بين مختلف المكونات السياسية والتنافس النزيه حول البرامج التي تنفع المواطنين وتساهم في رقي الوطن". كما كان لحزب "نداء تونس" موقف واضح من استعمال الحكومة لأدوات الدولة، حيث أبرز المنسق العام للنداء رضا بلحاج في تصريح إذاعي أن يوسف الشاهد (رئيس الحكومة) يضغط على الندائيين من خلال استعمال الحكومة. وقد نسي رضا بلحاج ان النداء نفسه استغل الحكومة وأجهزة الدولة في الانتخابات البلدية، علما أنه كان لبلحاج قبل عودته المهزومة للنداء موقف من"التغول" الانتخابي للنداء وقتها. فاستغلال الحكومة لأجهزة الدولة ووسائلها وتوظيفها سياسيا لفائدة مشروع الشاهد الجديد مَس من التمشي الديمقراطي، إذ يحرم الاحزاب من أسس التنافس النزيه فيما بينها، ويغبطها حقها في خلق التوازنات الانتخابية، وبالتالي فهو يضرب المسار الديمقراطي ويشكل تعديا صارخا على نزاهة الانتخابات. ووجود حزب منافس هو في الأصل قريب من الحكومة سيغذي إمكانيات القول بتدليس محتمل لنتائج الانتخابات لو تعارضت مع أهداف الحزب الجديد. ولو افترضنا جدلا عدم صحة ما تمت الإشارة اليه، فهل يقبل يوسف الشاهد التخلي عن رئاسته للحكومة وإعلان الاستقالة حتى ينأى بنفسه عن كل هذا التجاذب الحاصل؟ هل يقبل الشاهد الجنوح لمغادرة القصبة قبل انطلاق الانتخابات، تماما كما فعل رئس الحكومة الأسبق مهدي جمعة قبل انتخابات 2014 أو كما فعل الباجي قائد السبسي قبل انتخابات المجلس الوطني التاسيسي في 2011؟ سياسيا، فان الاعلان عن ميلاد الحزب الجديد هو ترجمة لتواصل الخلاف بين الشاهد ومجموعته من جهة، ومن تبقوا في نداء تونس من جهة أخرى، ليتأكد الجميع شراسة الاستقطاب مستقبلا بين الطرفين للحصول على الخزان الانتخابي من البورقيبين والتجمعيين عموما. فمعركة الماكينة الانتخابية ليست وحدها العنوان الظاهر في الخلاف "الندائي/التحياوي" بل سيليه من له الاحقية في إرث الباجي قائد السبسي وندائه الحقيقي أي نداء 2012، خاصة اذا علمنا ان التسمية الحقيقية والتي كان من المفترض أن تستعمل قبل إطلاق اسم "نداء تونس" على المشروع السياسي للباجي هي "تحيا تونس" والتي اتخذ منها اول امس يوسف الشاهد وجماعته مدخلا للانتخابات القادمة. يذكر ان افتتاح حفل الاعلان عن حزب "تحيا تونس" عرف غياب مؤسسه الشاهد الذي خير العمل الميداني بانتقاله صباحا الى جندوبة للاطلاع على الوضع الاجتماعي هناك بعد موجة البرد القاسية التي ضربت الجهة، وتفقد استعداد أجهزة الدولة من حماية مدنية وسلط محلية وجيش وغيرها، لمجابهة التطورات المناخية، كما كان له لقاء مع عدد من رجال الاعمال بمدينة سوسة بمناسبة افتتاحه للمؤتمر السنوي للجامعة التونسية للنسيج والملابس.