مظاهر جديدة في التزود من خارج أسواق الجملة وبروز أسواق موازية تنشط في كل الجهات تأهيل مسالك التوزيع في حاجة إلى حلقة وسطى تتمثل في مخازن تبريد تتولى وحدها تزويد أسواق الجملة وتستقبل الانتاج من الفلاحين تونس الصباح: بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف وزارة التجارة والصناعات التقليدية في السنوات الأخيرة لتأهيل أسواق الجملة، يلاحظ تفاقم وتواصل المضاربات في الأسعار بالنسبة للمنتوج الفلاحي عند البيع بالتفصيل، حيث يتضاعف السعر عدة مرات بين مستوى البيع بالجملة والتفصيل. وأمام ما يؤكده الفلاحون المباشرون للإنتاح من تدن لأسعار هذه المواد لدى عرضها في أسواق الجملة، وما يشعر به المستهلك من غلاء لأسعارها عند اقتنائها من باعة التفصيل، تطرح جملة من الأسئلة بخصوص تدخل الوسطاء وترفيعهم للأسعار، وهيمنتهم على هذه المواد الاستهلاكية الحيوية بالتحكم في عرضها وبيعها طبقا لما يتماشى وأغراضهم في هذا الجانب. هذا الوضع الذي بات يدركه القاصى والداني بقي فيه الحبل على الغارب، ويحمل تبعاته المستهلك دون أن تحصل بشأنه تطورات تحد من مظاهر الترفيع في الأسعار عند البيع بالتفصيل. فما هي الاجراءات الجديدة التي تعتزم وزارة التجارة اتخاذها للحد من هذه الظاهرة، وتقليص الهوة بين أسعار بيع هذه المواد بالجملة، واسعارها عند البيع بالتفصيل؟ وماذا عن دور أجهزة المراقبة في هذا الجانب؟ مسالك التوزيع تعكس واقع السوق عند الانتاج تبرز متابعة أسعار المواد الفلاحية أن مسالك التوزيع تعكس واقع السوق عند الانتاج من ذلك أن نتائج المؤشر العام للأسعار التي تقيس مستوى اسعار البيع بالتفصيل تسجل نفس المنحى الذي يلاحظ في أسواق الجملة. ويمكن تفسير هذا الوضع بصغر هياكل التوزيع وبالتالي عدم قدرتها على الهيمنة والتأثير على السوق. كما يتضح من أحصائيات أسواق الجملة أن ارتفاع الكميات المعروضة تقترن بانخفاض في الأسعار، وعلى سبيل الذكر فقد أدت وفرة العرض خلال الصائفة الماضية وشهر رمضان إلى حالة استقرار ملحوظ في الاسعار عند البيع بالتفصيل. وتجدر الاشارة إلى أن التجاوزات التي تمت متابعتها في قطاع الخضر والغلال تهم خاصة المنتوجات التي تشهد ضغوطات على مستوى العرض ( نقص في الانتاج)، حيث تبين جملة من الأرقام أن المنتوجات المتوفرة بصفة عادية تكون اسعارها عادية، ومحترمة لهوامش الربح الترتيبية. مراقبة مسالك توزيع المنتوجات الفلاحية تندرج مراقبة مسالك توزيع منتوجات الفلاحة والصيد البحري ضمن الاهتمامات القارة واليومية للمراقبة الاقتصادية باعتبار العلاقة المباشرة والتأثير على قفة المستهلك ومقدرته الشرائية، فضلا عن الجوانب الصحية. وتشمل هذه المراقبة بشكل عام: رصد المؤشرات المبكرة ذات الصلة بحجم الانتاج. الخلايا الثابتة على مستوى أهم أسواق الجملة لمتابعة نسق التزويد وتكون الاسعار باعتبار خضوع الاسعار على مستوى الجملة لقاعدة العرض والطلب ( 20 خلية ثابتة يتم تدعيمها خلال المواسم الاستهلاكية مثل الصيف ورمضان ..) المراقبة المشتركة على مستوى الجملة (تجارة، صحة، فلاحة). المراقبة الرامية للتصدي لعمليات تشويش الأسعار وافتعال مستويات غير مطابقة لواقع السوق. التصدي للمضاربات الاحتكارية وعمليات البيع المباشر من وحدات الخزن والمواقع الموازية. مراقبة مدى تقيد تجار التفصيل بهوامش الربح الترتيبية المحددة من قبل الوزارة في قطاع لخضر والغلال. تفعيل مختلف الآليات القانونية ذات الصلة بالاسعار وشفافية المعاملات ونزاهتها. وتتعدد الاجراءات التي يتم اتخاذها في هذا الشأن تتصل بالمراقبة المستمرة والواسعة، كما تتم المراقبة حتى خارج الأوقات الادارية وتتصل بكل الاسواق اليومية والاسبوعية وشتى أنواع الانتصاب. ظاهرة المضاربات تتواصل باشكال مختلفة الحقيقة أن جملة هذه التدابير المتخذة لن تحد من ظاهرة المضاربات والاختلاف الشاسع بين أسعار الجملة والتفصيل لأنواع المواد الاستهلاكية الفلاحية. وهذا ما يستدعي جملة اجراءات وقرارات تتصل بدور الوسطاء في عملية التوزيع. والذين بتدخلاتهم وهامش الارباح التي يوظفونها تتفاقم زيادات الأسعار عند التفصيل، ولا تصل إلى المستهلك إلا وقد ارتفعت أسعارها عدة مرات على مستوى ما بيعت به في أسواق الجملة. ومن هذا البعد يتأكد أن المشكلة لا تكمن في الانتاج، ولا التوزيع، وانما في مسالك التوزيع الملتوية والتي يتدخل فيها عديد الأطراف مما يتسبب في غلاء الاسعار. ولعلنا لو عدنا بالتفصيل الى عملية التوزيع والمسالك والمضاربين داخلها لظهرت لنا جملة الاسباب في غلاء المواد الفلاحية عند بيعها بالتفصيل.إن الفلاح أو المنتج يجلب هذه المواد للسوق، ويفرض عليه سقف بيع معين كما يخضع داخل السوق إلى مضاربات تجار الجملة وهم "الهباطة"، وعلاوة عن كل هذا تخضع سلعه لأداء بلدي واقتطاعات أخرى مختلفة تصل في مجملها إلى 18 في المائة من الاداءات. وكل هذه الاداءات توظف في جانب آخر على تاجر التفصيل، علاوة على ما يوظفه هو الآخر على هذه المواد من هامش للربح. وهكذا تكبر حلقة الترفيع في سعر هذه المواد بعد اشترائها من المنتج بسعر زهيد، لتصل إلى المستهلك بعد تدخل كل هذه الاطراف وتوظيف هوامش ربح وأداءات عديدة عليها. ومن هذا المنطلق وطبقا لجملة هذه الإجراءات المتبعة، من الطبيعي أن ترتفع أسعار المواد الفلاحية عند بيعها بالتفصيل، ومن الطبيعي أن تتكاثر مظاهر التهرب من عرضها بأسواق الجملة، وتنشط المسالك الموازية التي بدأت تتكاثر في كل مكان وتتخذ اشكالا مختلفة. كما أن نفس الاسباب تكون وراء ما يشاهد من تزود بهذا الانتاج خارج المسالك الرسمية، حيث تتوافد الشاحنات محملة بأنواع الخضر والغلال لتزويد باعة التفصيل بها وبأسعار تكون في مجملها أدنى من تلك التي تأتي عبر أسواق الجملة. مسالك التوزيع .. التأهيل ..الحلقة المنقوصة لقد تمت خلال السنوات الأخيرة جملة من الاجراءات لتأهيل مسالك التوزيع وتطوير آدائها، غير أن هذه الاجراءات لم تغير مشهد المضاربات الحاصل بين البيع بالجملة والتفصيل، بل زادت من تكريس هذه الظاهرة واستفحالها، والتهرب من التوجه إلى أسواق الجملة. وباعتقادنا أن تأهيل مسالك التوزيع يحتاج إلى حلقة اساسية لابد من ارسائها على اعتبار أنها تمثل الحل النهائي لكل الأطراف، وتضع حدا للمضاربات. وتتمثل هذه الحلقة في خطة تقوم على بعث مخازن كبرى مكيفة تتولى شراء المواد الفلاحية المنتجة من الفلاح، وذلك مهما كانت قيمة الانتاج، وهكذا تضمن هذه المخازن الحفاظ على مستوى الانتاج، بل تطويره، كما تقوم هذه الخطة على تولي هذه المخازن تزويد أسواق الجملة وحدها ويمنع على الفلاح عرض انتاجه مباشرة داخل أسواق الجملة، وذلك لتفادي الحيف الذي يتعرض اليه وأنواع المضاربات التي يكون انتاجه عرضة لها. هذه التجربة والحلقة التي أشرنا إليها تعتمد في كافة الدول الأوروبية، وعبرها تنتفي علاقة المنتج بسوق الجملة عبر ضمان كامل لبيع انتاجه من ناحية واستمرارية تزويد السوق طبق احتياجاته اليومية والموسمية من طرف هذه المخازن التي يمكنها أن تتولى أيضا عمليات التصدير لكل أنواع الانتاج الذي يفوق حاجة السوق المحلية. كما أنه وبهذا الاسلوب يمكن القضاء على كافة أنواع المضاربات بين أسعار الجملة والتفصيل.